بِناصِيَتِها). ومن المعلوم ، أن من هذا شأنه ووصفه ، خير من الآلهة المتفرقة ، التي هي مجرد أسماء ، لا كمال لها ، ولا أفعال لديها.
[٤٠ ـ ٤١] ولهذا قال : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ). أي : كسوتموها أسماء ، سميتموها آلهة ، وهي لا شيء ، ولا فيها من صفات الألوهية شيء ، (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) بل أنزل الله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان بطلانها ، وإذا لم ينزل الله بها سلطانا ، لم يكن طريق ، ولا وسيلة ، ولا دليل لها. (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وحده ، فهو الذي يأمر وينهى ، ويشرع الشرائع ، ويسن الأحكام. وهو الذي (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي : المستقيم الموصل إلى كل خير ، وما سواه من الأديان ، فإنها غير مستقيمة ، بل معوجة ، توصل إلى كل شر. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) حقائق الأشياء ، وإلا فإن الفرق بين عبادة الله ، وحده لا شريك له ، وبين الشرك به ، من أظهر الأشياء وأبينها. ولكن لعدم العلم من أكثر الناس بذلك ، حصل منهم ما حصل ، من الشرك. فيوسف عليهالسلام ، دعا صاحبي السجن لعبادة الله وحده ، وإخلاص الدين له ، فيحتمل أنهما استجابا وانقادا ، فتمت عليهما النعمة ، ويحتمل أنهما ، لم يزالا على شركهما ، فقامت عليهما ـ بذلك ـ الحجة ، ثم إنه ، عليهالسلام ، شرع يعبر رؤياهما ، بعد ما وعدهما ذلك ، فقال : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) إلى (الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) وهو : الذي رأى أنه يعصر خمرا ، فإنه يخرج من السجن (فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) أي : يسقي سيده ، الذي كان يخدمه خمرا ، وذلك مستلزم لخروجه من السجن ، (وَأَمَّا الْآخَرُ) وهو : الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا ، تأكل الطير منه. (فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) ، فإنه عبر عن الخبز ، الذي تأكله الطير ، بلحم رأسه وشحمه ، وما فيه من المخ ، وأنه لا يقبر ويستر عن الطيور ، بل يصلب ، ويجعل في محل ، تتمكن الطيور من أكله ، ثم أخبرهما بأن هذا التأويل ، الذي تأوله لهما ، أنه لا بد من وقوعه فقال : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أي : تسألان عن تعبيره وتفسيره.
[٤٢ ـ ٤٧] أي : (وَقالَ) يوسف عليهالسلام : (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) ، وهو : الذي رأى أنه يعصر خمرا : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) أي : اذكر له شأني وقصتي ، لعله يرقّ لي ، فيخرجني مما أنا فيه ، (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) أي : فأنسى الشيطان ذلك الناجي ، ذكر الله تعالى ، وذكر ما يقرب إليه ، ومن جملة ذلك نسيانه ، ذكر يوسف الذي يستحق أن يجازى بأتم الإحسان ، وذلك ليتم الله أمره وقضاءه. (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) والبضع : من الثلاث إلى التسع ، ولهذا قيل : إنه لبث سبع سنين ، ولما أراد الله أن يتم أمره ، ويأذن بإخراج يوسف من السجن ، قدر لذلك سببا لإخراج يوسف وارتفاع شأنه ، وإعلاء قدره ، وهو رؤيا الملك.
لما أراد الله تعالى أن يخرج يوسف من السجن ، أرى الله الملك هذه الرؤيا العجيبة ، التي تأويلها ، يتناول جميع الأمة ، ليكون تأويلها على يد يوسف ، فيظهر من فضله ، ويبين من علمه ، ما يكون له رفعة في الدارين. ومن