المسروق في يد السارق ، خصوصا إذا كان معروفا بالسرقة ، فإنه يحكم عليه بالسرقة ، وهذا أبلغ من الشهادة ، وكذلك وجود الرجل يتقيأ الخمر ، أو وجود المرأة التي لا زوج لها ولا سيد ، حاملا فإنه يقام بذلك الحد ، ما لم يقع مانع منه ، ولهذا سمى الله هذا الحكم شاهدا فقال : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها). ومنها : ما عليه يوسف ، من الجمال الظاهر والباطن ، فإن جماله الظاهر ، أوجب للمرأة التي هو في بيتها ما أوجب. وللنساء اللاتي جمعتهن حين لمنها على ذلك أن قطعن أيديهن وقلن (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ). وأما جماله الباطن ، فهو العفة العظيمة عن المعصية ، مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها ، وشهادة امرأة العزيز والنسوة بعد ذلك ببراءته ، ولهذا قالت امرأة العزيز : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) ، وقالت بعد ذلك : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ، وقالت النسوة : (حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ). ومنها : أن يوسف عليهالسلام ، اختار السجن على المعصية. فهكذا ينبغي للعبد ، إذا ابتلي بين أمرين ـ إما فعل معصية ، وإما عقوبة دنيوية ـ أن يختار العقوبة الدنيوية ، على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة ، في الدنيا والآخرة. ولهذا من علامات الإيمان ، أن يكره العبد أن يعود في الكفر ، بعد أن أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار. ومنها : أنه ينبغي للعبد ، أن يلتجىء إلى الله ، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية ، ويتبرأ من حوله وقوته ، لقول يوسف عليهالسلام : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ). ومنها : أن العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير ، وينهيانه عن الشر ، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس ، وإن كان معصية ضارا لصاحبه. ومنها : أنه كما على العبد عبودية لله في الرخاء ، فعليه عبودية له في الشدة. ف «يوسف» عليهالسلام ، لم يزل يدعو إلى الله ، فلما دخل السجن ، استمر على ذلك ، ودعا الفتيين إلى التوحيد ، ونهاهما عن الشرك. ومن فطنته عليهالسلام ، أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته ، حيث ظنا فيه الظن الحسن وقالا : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وأتياه لأن يعبر لهما رؤياهما ، فرآهما متشوقين لتعبيرها عنده ـ رأى ذلك فرصة ، فانتهزها ، فدعاهما إلى الله تعالى ، قبل أن يعبر رؤياهما ليكون أنجح لمقصوده ، وأقرب لحصول مطلوبه. وبين لهما أولا ، أن الذي أوصله إلى الحال التي رأياه فيها ، من الكمال والعلم ، إيمانه ، وتوحيده ، وتركه ملة من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، وهذا دعاء لهما بلسان الحال ، ثمّ دعاهما بالمقال ، وبين فساد الشرك ، وبرهن عليه ، وحقيقة التوحيد ، وبرهن عليه. ومنها : أنه يبدأ بالأهم فالأهم ، وأنه إذا سئل المفتي ، وكان السائل في حاجة أشد لغير ما سأل عنه ، أنه ينبغي له أن يعلمه ما يحتاج إليه قبل أن يجيب سؤاله ، فإن هذا علامة على نصح المعلم وفطنته ، وحسن إرشاده وتعليمه. فإن يوسف ـ لما سأله الفتيان عن الرؤيا ـ قدم لهما قبل تعبيرها ـ دعوتهما إلى الله وحده لا شريك له. ومنها : أن من وقع في مكروه وشدة ، لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه ، أو الإخبار بحاله ، وأن هذا ، لا يكون شكوى للمخلوق فإن هذا ، من الأمور العادية ، التي جرى العرف باستعانة الناس ، بعضهم ببعض ، ولهذا قال يوسف ، للذي ظن أنه ناج من الفتيين : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ). ومنها : أنه ينبغي ويتأكد على المعلم ، استعمال الإخلاص التام في تعليمه وأن لا يجعل تعليمه ، وسيلة لمعاوضة أحد في مال ، أو جاه ، أو نفع ، وأن لا يمتنع من التعليم ، أو لا ينصح فيه ، إذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم ، فإن يوسف عليهالسلام قد قال ، ووصى أحد الفتيين ، أن يذكره عند ربه ، فلم يذكره ونسي ، فلما بدت حاجتهم إلى سؤال يوسف ، أرسلوا ذلك الفتى ، وجاءه سائلا مستفتيا عن تلك الرؤيا ، فلم يعنفه يوسف ، ولا وبّخه ، لتركه ذكره بل أجابه عن سؤاله ، جوابا تاما من كل وجه. ومنها : أنه ينبغي للمسؤول أن يدل السائل على أمر ينفعه ، مما يتعلق بسؤاله ، ويرشده إلى الطريق ، التي ينتفع بها ، في دينه ودنياه ، فإن هذا من كمال نصحه وفطنته ، وحسن إرشاده ، فإن يوسف ، عليهالسلام ، لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك ، بل دلهم ـ مع ذلك ـ على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات ، من كثرة الزرع ، وكثرة جبايته. ومنها : أنه لا يلام الإنسان على السعي في دفع التهمة عن نفسه ، وطلب