والبراهين القاطعة ، فمن أقبل عليه ، وعلى علمه ، كان من أهل العلم بالحق ، الذي يوجب لهم علمهم به ، العمل بما أوجب الله. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بهذا القرآن ، إما جهلا ، وإعراضا عنه ، وعدم اهتمام به ، وإما عنادا وظلما ، فلذلك أكثر الناس ، غير منتفعين به ، لعدم السبب الموجب للانتفاع.
[٢] يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير ، والعظمة والسلطان ، الدال على أنه وحده المعبود ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له فقال : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) على عظمها واتساعها ، بقدرته العظيمة ، (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) أي : ليس لها عمد من تحتها ، فإنه لو كان لها عمد ، لرأيتموها ، (ثُمَ) بعد ما خلق السموات والأرض (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) العظيم الذي هو أعلى المخلوقات ، استواء يليق بجلاله ، ويناسب كماله. (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم ، (كُلٌ) من الشمس والقمر (يَجْرِي) بتدبير العزيز العليم ، (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) بسير منتظم ، لا يفتران ، ولا ينيان ، حتى يجيء الأجل المسمى وهو طيّ الله هذا العالم ، ونقلهم إلى الدار الآخرة ، التي هي دار القرار ، فعند ذلك يطوي الله السموات ، ويبدلها ، ويغير الأرض ويبدلها. فتكور الشمس والقمر ، ويجمع بينهما ، فيلقيان في النار ، ليرى من عبدهما أنهما غير أهل للعبادة ؛ فيتحسر بذلك أشد الحسرة ، وليعلم الّذين كفروا ، أنهم كانوا كاذبين. وقوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) هذا جمع بين الخلق والأمر ، أي : قد استوى الله العظيم على سرير الملك ، يدبر الأمور في العالم العلوي والسفلي ، فيخلق ويرزق ، ويغني ، ويفقر ، ويرفع أقواما ، ويضع آخرين ، ويعز ويذل ، ويخفض ويرفع ، ويقيل العثرات ، ويفرج الكربات ، وينفذ الأقدار في أوقاتها ، التي سبق بها علمه ، وجرى بها قلمه ، ويرسل ملائكته الكرام ، لتدبير ما جعلهم على تدبيره. وينزل الكتب الإلهية على رسله ، ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع ، والأوامر والنواهي ، ويفصلها غاية التفصيل ، ببيانها ، وإيضاحها وتمييزها ، (لَعَلَّكُمْ) بسبب ما أخرج لكم من الآيات الأفقية ، والآيات القرآنية ، (بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) فإن كثرة الأدلة وبيانها ووضوحها ، من أسباب حصول اليقين ، في جميع الأمور الإلهية ، خصوصا في العقائد الكبار ، كالبعث والنشور والإخراج من القبور. وأيضا ، فقد علم أن الله تعالى ، حكيم لا يخلق الخلق سدى ، ولا يتركهم عبثا ، فكما أنه أرسل رسله ، وأنزل كتبه ، لأمر العباد ونهيهم ، فلا بد أن ينقلهم إلى دار ، يحل فيها جزاؤه ، فيجازي المحسنين بأحسن الجزاء ، ويجازي المسيئين بإساءتهم.
[٣] (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) أي : خلقها للعباد ، ووسعها ، وبارك فيها ، ومدها للعباد ، وأودع فيها من مصالحهم ما أودع ، (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) أي : جبالا عظاما ، لئلا تميد بالخلق ، فإنه لو لا الجبال ، لمادت بأهلها ، لأنها على تيار ماء ، لا ثبوت لها ، ولا استقرار ، إلا بالجبال الرواسي ، التي جعلها الله أوتادا لها. (وَ) جعل فيها (أَنْهاراً) تسقي الآدميين وبهائمهم وحروثهم ، فأخرج بها من الأشجار والزروع والثمار ، خيرا كثيرا ولهذا قال : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي : صنفين ، مما يحتاج إليه العباد. (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) فتظلم الآفاق ،