بهذه الآية الكريمة ، على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام رسوله ، أمور مطلوبة ، محبوبة لله ، لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها. إلا إذا كان الناس في حالة ، لا يحتاجون إليها ، وذلك إذا تمرنوا على العربية ، ونشأ عليها صغيرهم ، وصارت طبيعة لهم ، فحينئذ قد اكتفوا المئونة وصلحوا لأن يتلقوا عن الله وعن رسوله ، ابتداء ، كما تلقى الصحابة رضي الله عنهم.
[٥] يخبر تعالى : أنه أرسل موسى بآياته العظيمة ، الدالة على صدق ما جاء به وصحته ، وأمره بما أمر الله به رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، بل وبما أمر به جميع الرسل قومهم ، (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي : ظلمات الجهل والكفر وفروعه ، إلى نور العلم والإيمان وتوابعه ، (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) أي : بنعمه عليهم ، وإحسانه إليهم وبأيامه في الأمم المكذبين ، ووقائعه بالكافرين ، ليشكروا نعمه ، وليحذروا عقابه ، (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : في أيام الله على العباد (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي : صبار في الضراء والعسر والضيق ، شكور على السراء والنعمة.
[٦] فإنه يستدل بأيامه ، على كمال قدرته ، وعميم إحسانه ، وتمام عدله وحكمته ، ولهذا امتثل موسى عليهالسلام أمر ربه ، فذكرهم نعم الله فقال : (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي : بقلوبكم وألسنتكم. (إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ) أي : يولونكم (سُوءَ الْعَذابِ) أي : أشده ، وفسر ذلك بقوله : (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي : يبقونهن فلا يقتلونهن ، (وَفِي ذلِكُمْ) الإنجاء (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي : نعمة عظيمة ، أو في ذلكم العذاب ، الذي ابتليتم به من فرعون وملئه ابتلاء من الله عظيم لكم ، لينظر هل تعتبرون أم لا؟
[٧] وقال لهم ـ حاثا على شكر نعم الله ـ : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) أي : أعلم ووعد ، (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) من نعمي (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) ومن ذلك ، أن يزيل عنهم النعمة ، التي أنعم بها عليهم. والشكر هو اعتراف القلب بنعم الله ، والثناء على الله بها ، وصرفها في مرضاة الله تعالى. وكفر النعمة ضد ذلك.
[٨] (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فلن تضروا الله شيئا ، (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) فالطاعات لا تزيد في ملكه ، والمعاصي لا تنقص ، وهو كامل الغنى ، حميد في ذاته ، وأسمائه وصفاته ، وأفعاله ، ليس له من الصفات إلا كل صفة حمد وكمال ، ولا من الأسماء إلا كل اسم حسن ، ولا من الأفعال إلا كل فعل جميل.
[٩] يقول تعالى ـ مخوفا عباده ـ ما أحله بالأمم المكذبة ، حين جاءتهم الرسل ، فكذبوهم ، فعاقبهم بالعقاب العاجل ، الذي رآه الناس وسمعوه فقال : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) وقد ذكر الله قصصهم في كتابه ، وبسطها ، (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) من كثرتهم ، وكون أخبارهم اندرست. فهؤلاء كلهم (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : بالأدلة الدالة على صدق ما جاؤوا به ، فلم يرسل الله رسولا ، إلا أتاه من الآيات ، ما يؤمن على مثله البشر ، فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها ، بل استكبروا عنها ، (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) أي : لم يؤمنوا بما جاؤوا به ، ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي