آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ). (وَقالُوا) صريحا لرسلهم : (إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) أي : موقع في الريبة ، وقد كذبوا في ذلك وظلموا.
[١٠] ولهذا (قالَتْ) لهم (رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) أي : فإنه أظهر الأشياء وأجلاها ، فمن شك في الله (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الذي وجود الأشياء مستند إلى وجوده ، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات ، حتى الأمور المحسوسة ، ولهذا خاطبتهم الرسل ، خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه (يَدْعُوكُمْ) إلى منافعكم ومصالحكم (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي : ليثيبكم على الاستجابة لدعوته ، بالثواب العاجل والآجل. فلم يدعوكم لينتفع بعبادتكم ، بل النفع عائد إليكم. فردوا على رسلهم ، رد السفهاء الجاهلين و (قالُوا) لهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أي : فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة ، (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) فكيف نترك رأي الآباء وسيرتهم ، لرأيكم؟ وكيف نطيعكم وأنتم بشر مثلنا؟ (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : بحجة وبينة ظاهرة ، ومرادهم بينة يقترحونها هم ، وإلا فقد تقدم أن رسلهم جاءتهم بالبينات.
[١١] (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ) مجيبين لاقتراحهم واعتراضهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي : صحيح وحقيقة ، إنّا بشر مثلكم ، (وَلكِنَ) ليس في ذلك ، ما يدفع ما جئنا به من الحقّ ، فإن (اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فإذا من الله علينا بوحيه ورسالته ، فذلك فضله وإحسانه ، وليس لأحد أن يحجر على الله فضله ويمنعه من تفضله. فانظروا ما جئناكم به ، فإن كان حقا ، فاقبلوه ، وإن كان غير ذلك ، فردوه ولا تجعلوا حالنا ، حجة لكم على رد ما جئناكم به ، وقولكم : (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) فإن هذا ليس بأيدينا ، وليس لنا من الأمر شيء. (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فهو الذي إن شاء جاءكم به ، وإن شاء لم يأتكم به ، وهو لا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته ورحمته ، (وَعَلَى اللهِ) لا على غيره (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فيعتمدون عليه في جلب مصالحهم ، ودفع مضارهم ، لعلمهم بتمام كفايته ، وكمال قدرته ، وعميم إحسانه ، ويثقون به ، في تيسير ذلك ، وبحسب ما معهم من الإيمان يكون توكلهم.
[١٢] فعلم بهذا ، وجوب التوكل ، وأنه من لوازم الإيمان ، ومن العبادات الكبار ، التي يحبها الله ويرضاها ، لتوقف سائر العبادات عليه ، (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا). أي : أي شيء يمنعنا من التوكل على الله ، والحال ، أننا على الحقّ والهدى ، ومن كان على الحقّ والهدى ، فإن هداه ، يوجب له تمام التوكل ، وكذلك ما يعلم من أن الله متكفل بمعونة المهتدي وكفايته ، يدعو إلى ذلك ، بخلاف من لم يكن على الحقّ والهدى ، فإنه ليس ضامنا على الله ، فإن حاله مناقضة لحال المتوكل. وفي هذا كالإشارة من الرسل ، عليهم الصلاة والسّلام لقومهم ، بآية عظيمة ، وهو أن قومهم ـ في الغالب ـ أن لهم القهر والغلبة عليهم ، فتحدتهم رسلهم ، بأنهم متوكلون على الله ، في دفع كيدهم ومكرهم ، وجازمون بكفايته إياهم ، وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على إتلافهم ، وإطفاء ما