عَلَيْنا أَجَزِعْنا) من العذاب (أَمْ صَبَرْنا) عليه ، (ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي : لا ملجأ نلجأ إليه ، ولا مهرب لنا من عذاب الله.
[٢٢] أي : (وَقالَ الشَّيْطانُ) الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم ، مخاطبا لأهل النار ، ومتبرئا منهم (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) على ألسنة رسله ، فلم تطيعوه ، فلو أطعتموه ، لأدركتم الفوز العظيم ، (وَوَعَدْتُكُمْ) الخير (فَأَخْلَفْتُكُمْ) أي : لم يحصل ، ولن يحصل لكم ما منيتكم به ، من الأماني الباطلة. (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي : من حجة على تأييد قولي ، (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) أي : هذا نهاية ما عندي ، أني دعوتكم إلى مرادي ، وزينته لكم ، فاستجبتم لي ، اتّباعا لأهوائكم وشهواتكم ، فإذا كان الحال بهذه الصورة (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) فأنتم السبب ، وعليكم المدار في موجب العقاب ، (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) أي : بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) كل له قسط من العذاب. (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) أي : تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله ، فلست شريكا لله ، ولا تجب طاعتي ، (إِنَّ الظَّالِمِينَ) لأنفسهم بطاعة الشيطان (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) خالدين فيه أبدا. وهذا من لطف الله بعباده ، أن حذرهم من طاعة الشيطان وأخبر بمداخله ، التي يدخل منها على الإنسان ومقاصده فيه ، وأنه يقصد أن يدخله النيران ، وهنا بيّن لنا أنه إذا دخل النار هو وجنده ، أنه يتبرأ منهم هذه البراءة ، ويكفر بشركهم (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ). واعلم أن الله ذكر في هذه الآية ، أن الشيطان ليس له سلطان ، وقال في آية أخرى (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١٠٠) ، فالسلطان الذي نفاه عنه ، هو سلطان الحجة والدليل ، فليس له حجة أصلا ، على ما يدعو إليه ، وإنّما نهاية ذلك ، أن يقيم لهم من الشبه والتزيينات ، ما به يتجرؤون على المعاصي. وأما السلطان ، الذي أثبته ، فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يؤزّهم إلى المعاصي أزّا ، وهم الّذين سلطوه على أنفسهم ، بموالاته ، والالتحاق بحزبه ، ولهذا ليس له سلطان على الّذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.
[٢٣] ولما ذكر عقاب الظالمين ، ذكر ثواب الطائعين فقال : (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : الّذين قاموا بالدين ، قولا ، وعملا ، واعتقادا ، (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فيها من اللذات والشهوات ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، (خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي : لا بحولهم وقوتهم بل بحول الله وقوته (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي : يحيّي بعضهم بعضا بالسلام ، والتحية ، والكلام الطيب.
[٢٤ ـ ٢٥] يقول تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، وفروعها ، (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) وهي النخلة (أَصْلُها ثابِتٌ) في الأرض (وَفَرْعُها) منتشر (فِي السَّماءِ) وهي كثيرة النفع دائما. (تُؤْتِي أُكُلَها) أي ثمرتها (كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) ، فكذلك شجرة الإيمان ، أصلها ثابت في قلب المؤمن ، علما واعتقادا. وفرعها من الكلم الطيب ، والعمل الصالح ، والأخلاق المرضية ، والآداب الحسنة ، في السماء دائما ، يصعد إلى الله منه ، من الأعمال والأقوال ، التي تخرجها شجرة الإيمان ، ما ينتفع به المؤمن ، وينتفع غيره ، (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ما أمرهم به ونهاهم عنه ، فإن في ضرب الأمثال تقريبا للمعاني المعقولة من الأمثال المحسوسة. ويتبين المعنى الذي أراده الله غاية البيان ، ويتضح غاية الوضوح ، وهذا من رحمته ، وحسن تعليمه. فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه ، فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها ، في قلب المؤمن.
[٢٦] ثمّ ذكر ضدها وهي : كلمة الكفر ، وفرعها فقال : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) المأكل والمطعم ، وهي : شجرة الحنظل ونحوها ، (اجْتُثَّتْ) هذه الشجرة (مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) أي : ثبوت فلا عروق تمسكها ، ولا ثمرة صالحة ، تنتجها ، بل إن وجد فيها ثمرة ، فهي ثمرة خبيثة ، كذلك كلمة الكفر والمعاصي ، ليس لها ثبوت نافع في القلب ، ولا تثمر إلا كل قول خبيث ، وعمل خبيث ، يؤذي صاحبه ، ولا يصعد إلى الله منه عمل