الشديد ، (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) في لونه ، وطعمه ، ورائحته الخبيثة ، وهو في غاية الحرارة.
[١٧] (يَتَجَرَّعُهُ) من العطش الشديد (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) فإنه إذا قرب إلى وجهه ، شواه ، وإذا وصل إلى بطنه ، قطع ما أتى عليه من الأمعاء ، (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) أي : يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من أنواع العذاب ، وكل نوع منه ، من شدته يبلغ إلى الموت ولكن الله قضى أن لا يموتوا كما قال تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها). (وَمِنْ وَرائِهِ) أي : الجبار العنيد (عَذابٌ غَلِيظٌ) أي : قوي شديد ، لا يعلم وصفه وشدته ، إلا الله تعالى.
[١٨] يخبر تعالى عن أعمال الكفار التي عملوها : إما أن المراد بها ، الأعمال التي عملوها لله ، بأنها في ذهابها وبطلانها واضمحلالها كاضمحلال الرماد ، الذي هو أدق الأشياء وأخفها ، إذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب ، فإنه لا يبقى منه شيء ، ولا يقدر منه على شيء ، يذهب ويضمحل. فكذلك أعمال الكفار (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) ولا على مثقال ذرة منه لأنه مبني على الكفر والتكذيب. (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) حيث بطل سعيهم ، واضمحل عملهم. وإما أن المراد بذلك ، أعمال الكفار التي عملوها ، ليكيدوا بها الحقّ ، فإنهم يسعون ويكدحون في ذلك ، ومكرهم عائد عليهم ، ولن يضروا الله ورسله وجنده وما معهم ، من الحقّ شيئا.
[١٩] ينبه تعالى عباده بأن (اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي : ليعبده الخلق ويعرفوه ، ويأمرهم وينهاهم ، وليستدلوا بهما ، وما فيهما ، على ما له من صفات الكمال ، وليعلموا أن الذي خلق السموات والأرض ـ على عظمهما وسعتهما ـ قادر على أن يعيدهم خلقا جديدا ، ليجازيهم بإحسانهم وإساءتهم ، وأن قدرته ومشيئته ، لا تقصر عن ذلك ، ولهذا قال : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ). يحتمل أن المعنى : إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيركم ، يكونون أطوع لله منكم ، ويحتمل أن المراد : إن يشأ يفنيكم ، ثمّ يعيدكم بالبعث خلقا جديدا ، ويدل على هذا الاحتمال ، ما ذكره بعده ، من أحوال يوم القيامة.
[٢٠] (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٢٠) أي : بممتنع بل هو سهل عليه جدا ، (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ).
[٢١] (وَبَرَزُوا) أي : الخلائق (لِلَّهِ جَمِيعاً) حين ينفخ في الصور ، فيخرجون من الأجداث إلى ربهم ، فيقفون في أرض مستوية ، قاع صفصف ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ويبرزون له ، لا يخفى عليه منهم خافية ، فإذا برزوا ، صاروا يتحاجون ، وكل يدفع عن نفسه ، ويدافع ما يقدر عليه ولكن أنى لهم ذلك؟ (فَقالَ الضُّعَفاءُ) أي : التابعون والمقلدون (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم : المتبوعون ، الّذين هم قادة في الضلال : (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) أي : في الدنيا ، أمرتمونا بالضلال ، وزينتموه لنا ، فأغويتمونا ، (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : ولو مثقال ذرة ، (قالُوا) أي : المتبوعون والرؤساء (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) و (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) فلا يغني أحد أحدا ، (سَواءٌ