(رِزْقاً لَكُمْ) ورزقا لأنعامكم. (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) أي : السفن والمراكب ، (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) فهو الذي يسّر لكم صنعتها ، وأقدركم عليها ، وحفظها على تيار الماء ، لتحملكم ، وتحمل تجاراتكم وأمتعتكم ، إلى بلد تقصدونه. (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) لتسقي حروثكم وأشجاركم ، وتشربوا منها.
[٣٣] (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) لا يفتران ، ولا ينيان ، يسعيان لمصالحكم ، من حساب أزمنتكم ومصالح أبدانكم ، وحيواناتكم ، وزروعكم ، وثماركم ، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ) لتسكنوا فيه (وَالنَّهارَ) مبصرا ، لتبتغوا من فضله.
[٣٤] (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أي : أعطاكم من كل ما تعلقت به أمانيكم وحاجتكم ، مما تسألونه إياه. بلسان الحال ، أو بلسان المقال ، من أنعام ، وآلات ، وصناعات وغير ذلك. (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) فضلا عن قيامكم بشكرها (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) أي : هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرىء على المعاصي ، مقصر في حقوق ربه ، كفّار لنعم الله ، لا يشكرها ولا يعترف بها ، إلا من هداه الله ، فشكر نعمه ، وعرف حق ربه ، وقام به. ففي هذه الآيات ، من أصناف نعم الله على العباد ، شيء عظيم ، مجمل ، ومفصل ، يدعو الله به العباد إلى القيام بشكره وذكره ، ويحثهم على ذلك ، ويرغبهم في سؤاله ودعائه ، آناء الليل والنهار ، كما أن نعمته ، تتكرر عليهم ، في جميع الأوقات.
[٣٥] أي : (وَ) اذكر إبراهيم ، عليه الصلاة والسّلام ، في هذه الحالة الجميلة ، (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) أي : الحرم (آمِناً) ، فاستجاب الله دعاءه شرعا وقدرا ، فحرمه الله في الشرع ، ويسّر من أسباب حرمته ، قدرا ، ما هو معلوم ، حتى إنه لم يرده ظالم بسوء ، إلا قصمه الله كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم. ولما دعا له بالأمن ، دعا له ولبنيه بالإيمان فقال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ، أي : اجعلني وإياهم ، جانبا بعيدا عن عبادتها ، والإلمام بها ، ثمّ ذكر الموجب لخوفه عليه وعلى بنيه ، بكثرة من افتتن وابتلي بعبادتها ، فقال :
[٣٦] (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) أي : ضلوا بسببها ، (فَمَنْ تَبِعَنِي) على ما جئت به من التوحيد والإخلاص لله رب العالمين (فَإِنَّهُ مِنِّي) لتمام الموافقة ومن أحب قوما واتبعهم ، التحق بهم. (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهذا من شفقة الخليل ، عليه الصلاة والسّلام حيث دعا للعاصين بالمغفرة والرحمة من الله ، والله تبارك وتعالى ، أرحم منه بعباده ، لا يعذب إلا من تمرد عليه.
[٣٧] (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) وذلك أنه أتى ب «هاجر» أم إسماعيل وبابنها إسماعيل ، عليه الصلاة والسّلام ، وهو في الرضاع ، من الشام ، حتى وضعهما في مكة ، وهي ـ إذ ذاك ـ ليس فيها سكن ، ولا داع ، ولا مجيب ، فلما وضعهما ، دعا ربه بهذا الدعاء ، فقال ـ متضرعا متوكلا على ربه : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) أي : لا كل ذريتي ، لأن إسحق في الشام ، وباقي بنيه كذلك ، وإنّما أسكن في مكة ، إسماعيل وذريته ، وقوله : (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) أي : لأن أرض مكة لم يكن فيها ماء. (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : اجعلهم