والنور ، والإشراق ، وإصلاح الأشجار والثمار ، والنبات ، وتجفيف الرطوبات ، وإزالة البرودة الضارة للأرض ، وللأبدان ، وغير ذلك من الضروريات والحاجيات ، التابعة لوجود الشمس والقمر. وفيهما ، وفي النجوم ، من الزينة للسماء والهداية ، في ظلمات البر والبحر ، ومعرفة الأوقات ، وحساب الأزمنة ، ما تتنوع دلالاتها ، وتتصرف آياتها ، ولهذا جمعها في قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي : لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر ، فيما هي مهيأة له ، مستعدة ، تعقل ما تراه ، وتسمعه ، لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظرة ، حظ البهائم ، التي لا عقل لها.
[١٣] أي : فيما ذرأ الله ونشر للعباد ، من كل ما على وجه الأرض ، من حيوان ، وأشجار ، ونبات ، وغير ذلك ، مما تختلف ألوانه ، وتختلف منافعه آية على كمال قدرة الله ، وعميم إحسانه ، وسعة بره ، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، وحده لا شريك له ، (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) أي : يستحضرون في ذاكرتهم ، ما ينفعهم من العلم النافع ، ويتأملون ما دعاهم الله إلى التأمل فيه ، حتى يتذكروا بذلك ما هو دليل عليه.
[١٤] أي : هو وحده لا شريك له (الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) وهيأه لمنافعكم المتنوعة ، (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) هو ، السمك ، والحوت ، الذي تصطادونه منه ، (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) فتزيدكم جمالا وحسنا إلى حسنكم ، (وَتَرَى الْفُلْكَ) أي : السفن والمراكب (مَواخِرَ فِيهِ) أي : تمخر في البحر العجاج الهائل ، بمقدمها ، حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر ، تحمل المسافرين وأرزاقهم ، وأمتعتهم ، وتجاراتهم ، التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم. (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الذي يسر لكم هذه الأشياء وهيأها ، وتثنون على الله الذي من بها ، فلله تعالى الحمد والشكر ، والثناء ، حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم ، فوق ما يطلبون ، وأعلى ما يتمنون ، وآتاهم من كل ما سألوه ، لا نحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه.
[١٥ ـ ١٦] أي : (وَأَلْقى) الله تعالى لأجل عباده (فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) وهي : الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق ، فيتمكنون من حرث الأرض والبناء ، والسير عليها ، ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا ، يسوقها من أرض بعيدة ، إلى أرض مضطرة إليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم ، أنهارا على وجه الأرض ، وأنهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها ، حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها ، ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا أي : طرقا توصل إلى الديار المتنائية ، (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) السبيل إليها حتى إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال ، مسلسلة فيها ، وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين.
[١٧] لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة ، وما أنعم به من النعم العميمة ، ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ، ولا ند له ، فقال : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ) جميع المخلوقات ، وهو الفعال لما يريد (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) شيئا ، لا قليلا ، ولا كثيرا ، (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فتعرفون أن المنفرد بالخلق ، أحق بالعبادة كلها ، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره ، فإنه