واحد في إلهيته وتوحيده ، وعبادته. وكما أنه ليس له مشارك ، إذ أنشأكم وأنشأ غيركم ، فلا تجعلوا له أندادا في عبادته ، بل أخلصوا له الدين.
[١٨] (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ) عددا مجردا عن الشكر (لا تُحْصُوها) فضلا عن كونكم تشكرونها ، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد ، بعدد الأنفاس واللحظات ، من جميع أصناف النعم ، مما يعرف العباد ، ومما لا يعرفون ، وما يدفع عنهم من النقم ، فأكثر من أن تحصى ، (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) يرضى منكم باليسير من الشكر ، مع إنعامه الكثير.
[١٩ ـ ٢٠] وكما أن رحمته واسعة ، وجوده عميم ، ومغفرته شاملة للعباد ، فعلمه محيط بهم ، (يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) بخلاف من عبد من دونه ، فإنهم (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) قليلا ولا كثيرا (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) ، فكيف يخلقون شيئا مع افتقارهم في إيجادهم إلى الله تعالى؟
[٢١] ومع هذا ، ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء ، لا علم ، ولا غيره ، (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) فلا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تعقل شيئا ، أفنتّخذ هذه آلهة من دون رب العالمين؟ فتبّا لعقول المشركين ، ما أضلها ، وأفسدها ، حيث ضلت في أظهر الأشياء فسادا ، وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا أوصاف كمال ، ولا شيء من الأفعال ، وبين الكامل من جميع الوجوه الذي له كل صفة كمال ، وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها ، فله العلم المحيط بكل الأشياء ، والقدرة العامة ، والرحمة الواسعة ، التي ملأت جميع العوالم ، والحمد والمجد والكبرياء والعظمة ، التي لا يقدر أحد من الخلق ، أن يحيط ببعض أوصافه ولهذا قال :
[٢٢] (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وهو : الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فأهل الإيمان والعقول ، أجلته قلوبهم وعظمته ، وأحبته حبا عظيما ، وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية ، وأعمال القلوب وأعمال الجوارح ، وأثنوا عليه بأسمائه الحسنى ، وصفاته ، وأفعاله المقدسة ، (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) لهذا الأمر العظيم الذي لا ينكره إلا أعظم الخلق ، جهلا وعنادا ، وهو : توحيد الله (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن عبادته.
[٢٣] (لا جَرَمَ) أي : حقا لا بد (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) من الأعمال القبيحة (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) بل يبغضهم أشد البغض ، وسيجازيهم من جنس عملهم (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ).
[٢٤ ـ ٢٥] يقول تعالى ـ مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) أي : إذا سئلوا عن القرآن والوحي ، الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد. فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها ، أم تكفرون وتعاندون؟ فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه ، فيقولون عنه : إنه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : كذب اختلقه محمد على الله ، وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس ، جيلا بعد جيل ، منها الصدق ومنها الكذب ، فقالوا هذه المقالة ، ودعوا أتباعهم إليها ، وحملوا وزرهم ، ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة. وقوله :