(وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم ، إلا ما دعوهم إليه ، فيحملون إثم ما دعوهم إليه ، وأما الذين يعلمون ، فكلّ مستقلّ بجرمه ، لأنه عرف ما عرفوا (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) أي : بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم ، من وزرهم ، ووزر من أضلوه.
[٢٦] (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) برسلهم ، واحتالوا بأنواع الحيل ، على رد ما جاؤوهم به ، وبنوا من مكرهم ، قصورا هائلة ، (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) أي : جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها ، (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) فصار ما بنوه عذابا ، عذبوا به ، (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم ، ويقيهم العذاب ، فصار عذابهم فيما بنوه وأصّلوه. وهذا من أحسن الأمثال ، في إبطال الله مكر أعدائه. فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم ، وجعلوا لهم أصولا وقواعد من الباطل ، يرجعون إليها ، ويردون بها ما جاءت به الرسل ، واحتالوا أيضا على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم ، فصار مكرهم وبالا عليهم ، فصار تدبيرهم فيه تدميرهم ، وذلك لأن مكرهم سيّىء (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) ، هذا في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى ، ولهذا قال :
[٢٧] (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) أي : يفضحهم على رؤوس الخلائق ، ويبين لهم كذبهم ، وافتراءهم على الله ، (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أي : تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم ، وتزعمون أنهم شركاء لله ، فإذا سألهم هذا السؤال ، لم يكن لهم جواب ، إلا الإقرار بضلالهم ، والاعتراف بعنادهم فيقولون : (ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) ، (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي : العلماء الربانيون (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ) أي : يوم القيامة (وَالسُّوءَ) أي : سوء العذاب (عَلَى الْكافِرِينَ). وفي هذا فضيلة أهل العلم ، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد ، وأن لقولهم ، اعتبارا عند الله وعند خلقه. ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة ، وفي القيامة فقال :
[٢٨] (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي : تتوفاهم في هذه الحال ، التي كثر فيها ظلمهم وغيّهم ، وقد علم ما يلقى الظلمة في ذلك المقام ، من أنواع العذاب والخزي والإهانة. (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أي : استسلموا ، وأنكروا ما كانوا يعبدون من دون الله وقالوا : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) ، فيقال لهم : (بَلى) كنتم تعملون السوء ، و (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فلا يفيدكم الجحود شيئا ، وهذا في بعض مواقف القيامة ، ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا ، ظنا منهم أنه ينفعهم ، فإذا شهدت عليهم جوارحهم ، وتبين ما كانوا عليه أقروا ، واعترفوا ، ولهذا لا يدخلون النار ، حتى يعترفوا بذنوبهم.
[٢٩] فإذا دخلوا أبواب جهنم ، فكلّ أهل عمل يدخلون من الباب اللائق بحالهم ، (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) نار جهنم ، فإنها مثوى الحسرة والندم ، ومنزل الشقاء والألم ، ومحل الهموم والغموم ، وموضع السخط من الحي القيوم ، لا يفتّر عنهم من عذابها ، ولا يرفع عنهم يوما من أليم عقابها ، قد أعرض عنهم الرب الرحيم ، وأذاقهم العذاب العظيم.
[٣٠] لما ذكر الله قول المكذبين بما أنزل الله ، ذكر ما قاله المتقون ، وأنهم اعترفوا وأقروا ، بأن ما أنزل الله نعمة عظيمة ، وخير عظيم امتن الله به على العباد ، فقبلوا تلك النعمة ، وتلقوها بالقبول والانقياد ، وشكروا الله عليها ، فعلموها ، وعملوا بها ، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) في عبادة الله تعالى ، وأحسنوا إلى عباد الله ، فلهم (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) رزق واسع ، وعيشة هنية ، وطمأنينة قلب ، وأمن ، وسرور. (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) من هذه الدار ، وما فيها من أنواع اللذات والمشتهيات ، فإن هذه ، نعيمها قليل ، محشو بالآفات ، منقطع ، بخلاف نعيم الآخرة ، ولهذا قال : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ).