[٣١] (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أي : مهما تمنت أنفسهم ، وتعلقت به إرادتهم ، حصل لهم على أكمل الوجوه وأتمها ، فلا يمكن أن يطلبوا نوعا من أنواع النعيم ، الذي فيه لذة القلوب ، وسرور الأرواح ، إلا وهو حاضر لديهم ، ولهذا يعطي الله أهل الجنة ، كل ما تمنوه عليه حتى إنه يذكّرهم أشياء من النعيم ، لم تخطر على قلوبهم. فتبارك الذي لا نهاية لكرمه ، ولا حد لجوده ، الذي ليس كمثله شيء في صفات ذاته ، وصفات أفعاله ، وآثار تلك النعوت ، وعظمة الملك والملكوت ، (كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) لسخط الله وعذابه ، بأداء ما أوجبه عليهم ، من الفروض ، والواجبات ، المتعلقة بالقلب ، والبدن ، واللسان ، من حقه ، وحق عباده ، وترك ما نهاهم الله عنه.
[٣٢] (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) مستمرين على تقواهم (طَيِّبِينَ) أي : طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق إليهم ، ويخل في إيمانهم ، فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته ، وألسنتهم بذكره ، والثناء عليه ، وجوارحهم بطاعته والإقبال عليه. (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) التحية الكاملة ، خاصة لكم ، والسلامة من كل آفة. وقد سلمتم من كل ما تكرهون (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الإيمان بالله ، والانقياد لأمره ، فإن العمل هو السبب والمادة ، والأصل في دخول الجنة ، والنجاة من النار ، وذلك العمل ، حصل لهم برحمة الله ومنته ، لا بحولهم وقوتهم.
[٣٣] يقول تعالى : هل ينظر هؤلاء الذين جاءتهم الآيات ، فلم يؤمنوا ، وذكّروا ، فلم يتذكروا ، (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لقبض أرواحهم (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) بالعذاب الذي سيحل بهم ، فإنهم قد استحقوا وقوعه فيهم ، (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كذبوا وكفروا ، ثم لم يؤمنوا ، حتى نزل بهم العذاب. (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) إذ عذبهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فإنها مخلوقة لعبادة الله ، ليكون مآلها إلى كرامة الله ، فظلموها ، وتركوا ما خلقت له ، وعرضوها للإهانة الدائمة ، والشقاء الملازم.
[٣٤] (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي : عقوبات أعمالهم وآثارها ، (وَحاقَ بِهِمْ) أي : نزل (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فإنهم كانوا إذا أنذرتهم رسلهم بالعذاب ، استهزؤوا به ، وسخروا ممن أخبر به فحل بهم ذلك الأمر الذي سخروا منه.
[٣٥] أي : احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله ، وأن الله لو شاء ، ما أشركوا ، ولا حرموا شيئا من الأنعام ، التي أحلها كالبحيرة ، والوصيلة والحام ، ونحوها ، من دونه ، وهذه حجة باطلة ، فإنها لو كانت حقا ، ما عاقب الله الذين من قبلهم ، حيث أشركوا به ، فعاقبهم أشد العقاب. فلو كان يحب ذلك منهم ، لما عذبهم ، وليس قصدهم بذلك ، إلا رد الحق الذي جاءت به الرسل ، وإلا فعندهم علم ، أنه لا حجة لهم على الله. فإن الله أمرهم ونهاهم ، ومكنهم من القيام بما كلفهم ، وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر عنها أفعالهم. فاحتجاجهم بالقضاء والقدر ، من أبطل الباطل ، هذا ، وكل أحد يعلم بالحس ، قدرة الإنسان على كل فعل يريده ، من غير أن ينازعه منازع ، فجمعوا بين