منه لعباده ، فليس قولك هذا ، بالحقيقة ، وإنما قلت ذلك ، ترويجا على قومك ، واستخفافا لهم. (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) أي : ممقوتا ملقى في العذاب ولك الذم واللعنة.
[١٠٣] (فَأَرادَ) فرعون (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : يجليهم ويخرجهم منها. (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) وأورثنا بني إسرائيل أرضهم وديارهم.
[١٠٤] ولهذا قال : (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) (١٠٤) أي : جميعا ، ليجازى كل عامل بعمله.
[١٠٥] أي : وبالحق أنزلنا هذا القرآن الكريم ، لأمر العباد ، ونهيهم ، وثوابهم ، وعقابهم. (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) أي : بالصدق والعدل ، والحفظ من كل شيطان رجيم. (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) من أطاع الله بالثواب العاجل والآجل.
(وَنَذِيراً) لمن عصى الله ، بالعقاب العاجل والآجل ، ويلزم من ذلك ، بيان ما يبشر به وينذر.
[١٠٦] أي : وأنزلنا هذا القرآن مفرقا ، فارقا بين الهدى والضلال ، والحق والباطل. (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) أي : على مهل ، ليتدبروه ، ويتفكروا في معانيه ، ويستخرجوا علومه. (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) أي : شيئا فشيئا ، مفرقا في ثلاث وعشرين سنة. (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (٣٣).
[١٠٧ ـ ١٠٩] فإذا تبين أنه الحق ، الذي لا شك فيه ولا ريب ، بوجه من الوجوه : (قُلْ) : لمن كذب به ، وأعرض عنه : (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا). فليس لله حاجة فيكم ، ولستم بضاريه شيئا ، وإنما ضرر ذلك عليكم. فإن لله عبادا غيركم ، وهم الّذين آتاهم الله العلم النافع : (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) أي : يتأثرون به غاية التأثر ، ويخضعون له. (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) عما لا يليق بجلاله ، مما نسبه إليه المشركون. (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا) بالبعث والجزاء بالأعمال (لَمَفْعُولاً) لا خلف فيه ولا شك. (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) أي : على وجوههم (يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ) القرآن (خُشُوعاً). وهؤلاء كالذين منّ الله عليهم من مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره ، ممن أسلم في وقت النبي صلىاللهعليهوسلم ، بعد ذلك.
[١١٠] يقول تعالى لعباده : (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) أي : أيهما شئتم. (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أي : ليس له اسم غير حسن ، أي : حتى ينهى عن دعائه به ، أي اسم دعوتموه به ، حصل به المقصود ، والذي ينبغي أن يدعى في كل مطلوب ، مما يناسب ذلك الاسم. (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي : قراءتك (وَلا تُخافِتْ بِها) فإن في كل من الأمرين محذورا. أما الجهر ، فإن المشركين المكذبين به إذا سمعوه ، سبّوه ، وسبّوا من جاء به. وأما المخافتة ، فإنه لا يحصل المقصود لمن أراد استماعه مع الإخفاء. (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ) أي : اتخذ بين الجهر والإخفات (سَبِيلاً) أي : تتوسط فيما بينهما.
[١١١] (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الذي له الكمال ، والثناء ، والحمد ، والمجد من جميع الوجوه ، المنزه عن كل آفة ونقص. (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) بل الملك كلّه لله الواحد القهار. فالعالم العلوي والسفلي ، كلهم