[٣] ومع ذلك فهذا الأجر الحسن (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) (٣) لا يزول عنهم ، ولا يزولون عنه ، بل نعيمهم في كل وقت متزايد ، وفي ذكر التبشير ، ما يقتضي ذكر الأعمال الموجبة للمبشر به. وهو : أن هذا القرآن ، قد اشتمل على كل عمل صالح ، موصل لما تستبشر به النفوس ، وتفرح به الأرواح.
[٤ ـ ٥] (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (٤) من اليهود والنصارى ، والمشركين ، الّذين قالوا هذه المقالة الشنيعة ، فإنهم لم يقولوها عن علم ولا يقين ، لا علم منهم ، ولا علم من آبائهم الّذين قلدوهم واتبعوهم ، بل إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس. (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) أي : عظمت شناعتها واشتدت عقوبتها ، وأي شناعة أعظم من وصفه ، بالاتخاذ للولد ، الذي يقتضي نقصه ، ومشاركة غيره له في خصائص الربوبية ، والإلهية ، والكذب عليه؟!! (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ، ولهذا قال هنا : (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) أي : كذبا محضا ما فيه من الصدق شيء ، وتأمل كيف أبطل هذا القول بالتدريج والانتقال من شيء إلى أبطل منه ، فأخبر أولا : أنه (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ) والقول على الله بلا علم ، لا شك في منعه وبطلانه ، ثم أخبر ثانيا ، أنه قول قبيح شنيع فقال : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ، ثم ذكر ثالثا مرتبته من القبح ، وهو : الكذب المنافي للصدق.
[٦] ولما كان النبي صلىاللهعليهوسلم ، حريصا على هداية الخلق ، ساعيا في ذلك أعظم السعي ، فكان صلىاللهعليهوسلم ، يفرح ويسر بهداية المتدين ، ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين ، شفقة منه صلىاللهعليهوسلم ، عليهم ورحمة بهم ، أرشده الله أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء ، الّذين لا يؤمنون بهذا القرآن ، كما قال في الأخرى. (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣). وقال : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ). وهنا قال : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) أي : مهلكها ، غما وأسفا عليهم ، وذلك أن أجرك ، قد وجب على الله ، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا ، لهداهم. ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار ، فلذلك خذلهم ، فلم يهتدوا ، فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم ، ليس فيه فائدة لك. وفي هذه الآية ونحوها عبرة. فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله ، عليه التبليغ ، والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية ، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه ، مع التوكل على الله في ذلك ، فإن اهتدوا فبها ونعمت ، وإلا فلا يحزن ولا يأسف ، فإن ذلك مضعف للنفس ، هادم للقوى ، ليس فيه فائدة ، بل يمضي على فعله ، الذي كلّف به وتوجه إليه ، وما عدا ذلك ، فهو خارج عن قدرته. وإذا كان النبي صلىاللهعليهوسلم يقول الله له : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) وموسى عليهالسلام يقول : (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) الآية ، فمن عداهم ، من باب أولى وأحرى ، قال تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٢٢).
[٧ ـ ٩] يخبر تعالى ، أنه جعل جميع ما على وجه الأرض ، من مآكل لذيذة ، ومشارب ، وملابس طيبة ، وأشجار ، وأنهار ، وزروع ، وثمار ، ومناظر بهيجة ، ورياض أنيقة ، وأصوات شجية ، وصور مليحة ، وذهب وفضة ، وخيل وإبل ونحوها ، الجميع جعله الله زينة لهذه الدار ، فتنة واختبارا. (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي :