الثمرات ، وخصوصا أشرف الأشجار ، العنب ، والنخل. فالعنب ، وسطها ، والنخل ، قد حف بذلك ، ودار به ، فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه ، وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح ، التي تكمل لها الثمار ، وتنضج وتتجوهر ، ومع ذلك ، جعل بين تلك الأشجار زرعا. فلم يبق عليهما إلا أن يقال : كيف ثمار هاتين الجنتين؟ وهل لهما ماء يكفيهما؟ فأخبر تعالى ، أن كلا من الجنتين آتت أكلها أي : ثمرها وزرعها ضعفين أي : متضاعفا (وَ) أنها (لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) أي : لم تنقص من أكلها أدنى شيء. ومع ذلك ، فالأنهار في جوانبهما سارحة ، كثيرة غزيرة. (وَكانَ لَهُ) أي : لذلك الرجل (ثَمَرٌ) أي : عظيم كما يفيده التنكير أي : قد استكملت جنتاه ثمارهما ، وأرجحنت أشجارهما ، ولم تعرض لهما آفة أو نقص ، فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث ، ولهذا اغتر هذا الرجل ، وتبجح وافتخر ، ونسي آخرته.
[٣٤ ـ ٣٦] أي : فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن ، وهما يتحاوران ، أي : يتراجعان الكلام بينهما في بعض المجريات المعتادة ، مفتخرا عليه. (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) فخر بكثرة ماله ، وعزة أنصاره ، من عبيد ، وخدم ، وأقارب ، وهذا جهل منه. وإلا فأي افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية ، ولا صفة معنوية ، وإنما هو بمنزلة فخر الصبي بالأماني ، التي لا حقائق تحتها. ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه ، حتى حكم ، بجهله وظلمه ، وظن لما دخل جنته. ف (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ) أي : تنقطع وتضمحل (هذِهِ أَبَداً) ، فاطمأن إلى هذه الدنيا ، ورضي بها ، وأنكر البعث ، فقال : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) على ضرب المثل (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) أي : ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين ، وهذا لا يخلو من أمرين. إما أن يكون عالما بحقيقة الحال ، فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره ، وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة ، فيكون من أجهل الناس ، وأبخسهم حظّا من العقل ، فأي تلازم بين عطاء الدنيا ، وعطاء الآخرة ، حتى يظن بجهله ، أن من أعطي في الدنيا ، أعطي في الآخرة. بل الغالب ، أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه ، ويوسعها على أعدائه ، الذين ليس لهم في الآخرة نصيب ، والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال ، ولكنه قال هذا الكلام ، على وجه التهكم والاستهزاء ، بدليل قوله : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ). فإثبات أن وصفه الظلم ، في حال دخوله ، الذي جرى منه ، من القول ما جرى ، يدل على تمرده وعناده.
[٣٧ ـ ٣٩] أي : قال له صاحبه المؤمن ـ ناصحا له ، ومذكرا له حاله الأولى ، التي أوجده الله فيها في الدنيا (مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) ، فهو الذي أنعم عليك بنعمة الإيجاد والإمداد ، وواصل عليك النعم ، ونقلك من طور إلى طور ، حتى سواك رجلا ، كامل الأعضاء والجوارح المحسوسة ، والمعقولة ، وبذلك يسّر لك الأسباب ، وهيأ لك ما هيأ ، من نعم الدنيا ، فلم تحصل لك الدنيا ، بحولك وقوتك ، بل بفضل الله تعالى عليك ، فكيف يليق بك أن تكفر بالله الذي خلقك من تراب ، ثم من نطفة ثم سواك رجلا وتجهل نعمته ، وتزعم أنه لا يبعثك ، وإن بعثك أنه يعطيك خيرا من جنتك ، هذا مما لا ينبغي ولا يليق. ولهذا لما رأى صاحبه المؤمن ، حاله واستمراره على كفره