وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٩٦). ويحتمل أن الضمير يعود إلى الخلائق يوم القيامة ، وأنهم يجتمعون فيه فيكثرون ويموج بعضهم ببعض ، من الأهوال والزلازل العظام ، بدليل قوله : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ) إلى (لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي : إذا نفخ إسرافيل في الصور ، أعاد الله الأرواح إلى الأجساد ، ثم حشرهم ، وجمعهم لموقف القيامة ، الأولين منهم والآخرين ، والكافرين والمؤمنين ، ليسألوا ويحاسبوا ويجزوا بأعمالهم ، فأما الكافرون ـ على اختلافهم ـ فإن جهنم جزاؤهم ، خالدين فيها أبدا. ولهذا قال :
[١٠٠] (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) (١٠٠) كما قال تعالى : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي : عرضت لهم لتكون مأواهم ومنزلهم ، وليتمتعوا بأغلالها وسعيرها ، وحميمها ، وزمهريرها ، وليذوقوا من العقاب ، ما تبكم له القلوب ، وتصم الآذان.
[١٠١] وهذا آثار أعمالهم ، وجزاء أفعالهم ، فإنهم في الدنيا (كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) أي : معرضين عن الذكر الحكيم ، والقرآن الكريم ، وقالوا : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) ، وفي أعينهم أغطية تمنعهم من رؤية آيات الله النافعة كما قال تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ). (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي : لا يقدرون على سمع آيات الله الموصلة إلى الإيمان ، لبغضهم القرآن والرسول ، فإن المبغض ، لا يستطيع أن يلقي سمعه إلى كلام من أبغضه ، فإذا انحجبت عنهم طرق العلم والخير ، فليس لهم سمع ولا بصر ، ولا عقل نافع ، فقد كفروا بالله ، وجحدوا آياته ، وكذبوا رسله ، فاستحقوا جهنم ، وساءت مصيرا.
[١٠٢] وهذا برهان وبيان ، لبطلان دعوى المشركين الكافرين ، الّذين اتخذوا بعض الأنبياء والأولياء ، شركاء لله يعبدونهم ، ويزعمون أنهم يكونون لهم أولياء ، ينجونهم من عذاب الله ، وينيلونهم ثوابه ، وهم قد كفروا بالله وبرسوله. يقول الله لهم على وجه الاستفهام والإنكار المتقرر بطلانه في العقول : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) أي : لا يكون ذلك ولا يوالي ولي الله ، معاديا لله أبدا ، فإن الأولياء موافقون لله ، في محبته ، ورضاه ، وسخطه ، وبغضه ، فيكون على هذا المعنى ، مشابها لقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ). فمن زعم أنه يتخذ وليّ الله وليا له ، وهو معاد لله ، فهو كاذب ، ويحتمل ـ وهو الظاهر ـ أن المعنى : أفحسب الكفار بالله ، المنابذون لرسله ، أن يتخذوا من دون الله أولياء ينصرونهم ، وينفعونهم من دون الله ، ويدفعون عنهم الأذى؟ هذا حسبان باطل ، وظن فاسد ، فإن جميع المخلوقين ، ليس بيدهم من النفع والضر ، شيء. ويكون هذا ، كقوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (٥٦) ، (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) ، ونحو ذلك من الآيات التي يذكر الله فيها ، أن المتخذ من دونه وليا ينصره ويواليه ، ضال خائب الرجاء غير نائل لبعض مقصوده. (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) أي : ضيافة وقرى فبئس النزل نزلهم ، وبئست جهنم ، ضيافتهم.
[١٠٣ ـ ١٠٤] أي : قل يا محمد ، للناس ـ على وجه التحذير والإنذار ـ : هل أخبركم بأخسر الناس أعمالا على الإطلاق؟ (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : بطل واضمحل كل ما عملوه ، من عمل ، وهم يحسبون أنهم محسنون في صنعه ، فكيف بأعمالهم ، التي يعلمون أنها باطلة ، وأنها محادة لله ورسله ، ومعاداة؟ فمن هم هؤلاء الذين خسرت أعمالهم ، فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؟ ألا ذلك هو الخسران المبين.
[١٠٥ ـ ١٠٦] (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ) أي : جحدوا الآيات القرآنية والآيات العيانية ، الدالة على وجوب الإيمان به ، وملائكته ، ورسله ، وكتبه ، واليوم الآخر. (فَحَبِطَتْ) بسبب ذلك (أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) لأن الوزن فائدته ، مقابلة الحسنات بالسيئات ، والنظر في الراجح منها والمرجوح ، وهؤلاء ، لا حسنات لهم ، لعدم شرطها ، وهو : الإيمان ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً