إن كان عنده سؤال ، ولا يبادر بالسؤال ، وقطع كلام ملقي العلم فإنه سبب للحرمان ، وكذلك المسئول ، ينبغي له أن يستملي سؤال السائل ، ويعرف المقصود فيه قبل الجواب ، فإن ذلك سبب لإصابة الصواب.
[١١٥] أي : ولقد وصّينا آدم ، وأمرناه ، وعهدنا إليه عهدا ليقوم به ، فالتزمه ، وأذعن له ، وانقاد ، وعزم على القيام به ومع ذلك ، نسي ما أمر به ، وانتقضت عزيمته المحكمة ، فجرى عليه ما جرى ، فصار عبرة لذريته ، وصارت طبائعهم مثل طبيعة آدم ، نسي فنسيت ذريته ، وخطىء فخطئوا ، ولم يثبت على العزم المؤكد ، وهم كذلك ، وبادر بالتوبة من خطيئته ، وأقرّ بها واعترف ، فغفرت له ، ومن يشابه أباه فما ظلم.
[١١٦ ـ ١١٧] ثمّ ذكر تفصيل ما أجمله فقال : (وَإِذْ قُلْنا) إلى (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى). أي : لما أكمل خلق آدم بيده ، وعلمه الأسماء ، وفضله ، وكرمه ، أمر الملائكة بالسجود له ، إكراما ، وتعظيما ، وإجلالا ، فبادروا بالسجود ممتثلين ، وكان بينهم إبليس ، فاستكبر عن أمر ربه ، وامتنع من السجود لآدم وقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فتبينت حينئذ ، عداوته البليغة لآدم وزوجه ، لما كان عدو الله ، وظهر من حسده ، ما كان سبب العداوة ، فحذر الله آدم وزوجه منه ، وقال : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) إذا أخرجت منها ، فإن لك فيها الرزق الهني والراحة التامة.
[١١٨ ـ ١٢٢] (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (١١٩) أي : تصيبك الشمس بحرها ، فضمن له ، استمرار الطعام والشراب ، والكسوة ، والماء ، وعدم التعب والنصب. ولكنه نهاه عن أكل شجرة معينة فقال : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ، فلم يزل الشيطان يوسوس لهما ، ويزين أكل الشجرة ، ويقول : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) أي : التي من أكل منها خلّد في الجنة. (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) أي : لا ينقطع ، إذا أكلت منها ، فأتاه بصورة ناصح ، وتلطف له في الكلام ، فاغتر به آدم ، فأكلا من الشجرة فسقط في أيديهما ، وسقطت كسوتهما ، واتضحت معصيتهما ، وبدا لكل منهما سوأة الآخر ، بعد أن كانا مستورين ، وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة ، ليستترا بذلك ، وأصابهما من الخجل ، ما الله به عليم. (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) فبادرا إلى التوبة والإنابة ، وقالا : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، فاجتباه ربه ، واختاره ، ويسر له التوبة (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) فكان بعد التوبة ، أحسن منه قبلها ، ورجع كيد العدو عليه ، وبطل مكره ، فتمت النعمة عليه ، وعلى ذريته ، ووجب عليهم القيام بها ، والاعتراف ، وأن يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم ، ليلا ونهارا (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) أي : ينزع عنهما لباسهما ، ليريهما سوءاتهما ، (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
[١٢٣] يخبر تعالى ، أنه أمر آدم وإبليس أن يهبطا إلى الأرض ، وأن يتخذ آدم وبنوه الشيطان عدوا لهم ، فيأخذوا الحذر منه ، ويعدّوا له عدّته ويحاربوه ، وأنه سينزل عليهم كتبا ، ويرسل إليهم رسلا يبينون لهم الطريق المستقيم