وإعراضهم.
[٢] ولهذا قال : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) يذكرهم ما ينفعهم ، ويحثهم عليه وما يضرهم ، ويرهبهم منه (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) سماعا ، تقوم عليهم به الحجة. (وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) ، أي : قلوبهم غافلة معرضة بمطالبها الدنيوية وأبدانهم لاعبة ، قد اشتغلوا بتناول الشهوات ، والعمل بالباطل ، والأقوال الردية ، مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة ، تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه ، وتستمعه استماعا ، تفقه المراد منه ، وتسعى جوارحهم ، في عبادة ربهم ، التي خلقوا لأجلها ، ويجعلون القيامة والحساب ، والجزاء منهم على بال ، فبذلك يتم لهم أمرهم وتستقيم أحوالهم ، وتزكوا أعمالهم. وفي معنى قوله : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) قولان : أحدهما : أن هذه الأمة ، هي آخر الأمم ، ورسولها ، آخر الرسل ، وعلى أمته تقوم الساعة ، فقد قرب الحساب منها ، بالنسبة لما قبلها ، من الأمم ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين ، وقرن بين إصبعيه ، السبابة والتي تليها». والقول الثاني : أن المراد بقرب الحساب الموت ، وأن من مات ، قامت قيامته ، ودخل في دار الجزاء على الأعمال ، وأن هذا تعجب من كل غافل معرض ، لا يدري متى يفاجئه الموت ، صباحا أو مساء ، فهذه حالة الناس كلهم إلا من أدركته العناية الربانية ، فاستعد للموت وما بعده.
[٣] ثمّ ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون ، على وجه العناد ، ومقابلة الحق بالباطل ، وأنهم تناجوا ، وتواطؤوا فيما بينهم ، أن يقولوا في الرسول صلىاللهعليهوسلم ، إنه بشر مثلكم ، فما الذي فضله عليكم ، وخصه من بينكم ، فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه ، لكان قوله من جنس قوله ، ولكنه يريد أن يتفضل عليكم ، ويرأس فيكم ، فلا تطيعوه ، ولا تصدقوه ، وأنه ساحر ، وما جاء به من القرآن ، سحر ، فانفروا عنه ، ونفروا الناس ، وقولوا : (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) هذا ، وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما يشاهدون من الآيات الباهرة ، ما لم يشاهده غيرهم ، ولكن حملهم على ذلك ، الشقاء والظلم والعناد. والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به ، وسيجازيهم عليه.
[٤] ولهذا قال : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ) الخفي والجلي (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي : في جميع ما احتوت عليه أقطارهما (وَهُوَ السَّمِيعُ) لسائر الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تفنن الحاجات (الْعَلِيمُ) بما في الضمائر ، وأكنته السرائر.
[٥] يذكر تعالى ائتفاك المكذبين بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وبما جاء به من القرآن العظيم ، وأنهم تقوّلوا فيه ، وقالوا فيه الأقاويل الباطلة المختلفة ، فتارة يقولون : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) بمنزلة كلام النائم الهاذي ، الذي لا يحس بما يقول ، وتارة يقولون : (افْتَراهُ) واختلقه وتقوّله من عند نفسه ، وتارة يقولون : إنه شاعر وما جاء به شعر. وكل من له أدنى معرفة بالواقع ، من حالة الرسول ، ونظر في هذا الذي جاء به ، جزم جزما لا يقبل الشك. أنه أجل الكلام وأعلاه ، وأنه من عند الله ، وأن أحدا من البشر ، لا يقدر على الإتيان بمثل بعضه ، كما تحدى الله أعداءه بذلك ، ليعارضوه مع توفر دواعيهم لمعارضته ، وعداوته ، فلم يقدروا على شيء من معارضته ، وهم يعلمون ذلك ، وإلا ،