كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين من أهل الذكر ، وهم أهل العلم ، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين ، أصوله وفروعه ، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها ، أن يسأل من يعلمها. ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم ، ولم يؤمر بسؤالهم ، إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه.
وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم ، نهي عن سؤال المعروف بالجهل ، وعدم العلم ، ونهي له أن يتصدى لذلك ، وفي هذه الآية ، دليل على أن النساء ليس منهن نبية ، لا مريم ولا غيرها ، لقوله : (إِلَّا رِجالاً).
[١٠] أي : لقد أنزلنا إليكم ـ أيها المرسل إليهم ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ كتابا جليلا ، وقرآنا مبينا (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أي : شرفكم وفخركم ، وارتفاعكم ، إن تذكرتم به ، ما فيه من الأخبار الصادقة ، فاعتقدتموها ، وامتثلتم ما فيه من الأوامر ، واجتنبتم ما فيه من النواهي ، وارتفع قدركم ، وعظم أمركم. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما ينفعكم وما يضركم؟ كيف لا تعملون على ما فيه ذكركم ، وشرفكم في الدنيا والآخرة ، فلو كان لكم عقل ، لسلكتم ، هذا السبيل. فلما لم تسلكوه ، وسلكتم غيره ، من الطرق ، التي فيها ضعتكم وخسّتكم في الدنيا والآخرة وشقاوتكم فيهما ، علم أنه ليس لكم معقول صحيح ، ولا رأي رجيح. وهذه الآية ، مصداقها ما وقع. فإن المؤمنين بالرسول ، والّذين تذكروا بالقرآن ، من الصحابة ، فمن بعدهم ، حصل لهم من الرفعة والعلو الباهر ، والصيت العظيم ، والشرف على الملوك ، ما هو أمر معلوم لكل أحد. كما أنه معلوم ما حصل ، لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا ، ولم يهتد ، ولم يتزكّ به ، من المقت والضعة ، والتدسية ، والشقاوة ، فلا سبيل إلى سعادة الدنيا والآخرة ، إلا بالتذكر بهذا الكتاب.
[١١ ـ ١٢] يقول تعالى ـ محذرا لهؤلاء الظالمين ، المكذبين للرسول ، بما فعل بالأمم المكذبة لغيره من الرسل ـ (وَكَمْ قَصَمْنا) أي : أهلكنا بعذاب مستأصل (مِنْ قَرْيَةٍ) تلفت عن آخرها (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) وأن هؤلاء المهلكين ، لما أحسوا بعذاب الله وعقابه ، وباشرهم نزوله ، لم يمكن لهم الرجوع ولا طريق لهم إلى النزوع ، وإنّما ضربوا الأرض بأرجلهم ، ندما ، وقلقا ، وتحسروا على ما فعلوا.
[١٣] فقيل لهم على وجه التهكم بهم : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) (١٣) أي : لا يفيدكم الركض والندم ، ولكن إن كان لكم اقتدار ، فارجعوا إلى ما أترفتم فيه ، من اللذات ، والمشتهيات ، ومساكنكم المزخرفات ، ودنياكم التي غرتكم وألهتكم ، حتى جاءكم أمر الله. فكونوا فيها متمكنين ، وللذاتها جانين ، وفي منازلكم مطمئنين معظمين ، لعلكم أن تكونوا مقصودين في أموركم ، كما كنتم سابقا ، مسؤولين من مطالب الدنيا ، كحالتكم الأولى ، وهيهات ، أين الوصول إلى هذا؟ وقد فات الوقت ، وحل بهم العقاب والمقت ، وذهب عنهم عزهم ، وشرفهم ودنياهم ، وحضرهم ندمهم وتحسرهم؟
[١٤ ـ ١٥] ولهذا (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) أي : الدعاء بالويل والثبور ، والندم ، والإقرار على أنفسهم بالظلم وأن الله عادل فيما أحل بهم. (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) أي : بمنزلة النبات الذي قد حصد وأنيم ، قد خمدت منهم الحركات ، وسكنت منهم الأصوات ، فاحذروا ـ أيها المخاطبون ـ أن تستمروا على تكذيب أشرف الرسل ، فيحل بكم كما حل بأولئك.
[١٦] يخبر تعالى أنه ما خلق السموات والأرض عبثا ، ولا لعبا من غير فائدة بل خلقها بالحق وللحق ، ليستدل بها العباد على أنه الخالق العظيم ، المدبر الحكيم ، الرحمن الرحيم ، الذي له الكمال كله ، والحمد كله ، والعزة كلها ، الصادق في قيله ، الصادقة رسله ، فيما تخبر عنه ، وأن القادر على خلقهما مع سعتهما وعظمهما ، قادر على إعادة الأجساد بعد موتها ، ليجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته.
[١٧] (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) على الفرض والتقدير المحال (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) أي : من عندنا (إِنْ كُنَّا