فاعِلِينَ) ولم نطلعكم على ما فيه عبث ولهو ، لأن ذلك نقص ومثل سوء ، لا نحب أن نريه إياكم. فالسموات والأرض اللذان بمرأى منكم على الدوام ، لا يمكن أن يكون القصد منهما العبث واللهو. كل هذا تنزّل مع العقول الصغيرة وإقناعها بجميع الوجوه المقنعة ، فسبحان الحليم الرحيم ، الحكيم ، في تنزيله الأشياء منازلها.
[١٨] يخبر تعالى ، أنه تكفل بإحقاق الحق وإبطال الباطل ، وإن كان باطل قبل وجوده ، فإن الله ينزل من الحق والعلم والبيان ، ما يدمغه فيضمحل ، ويتبين لكل أحد بطلانه (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) ، أي : مضمحل ، فان ، وهذا عام في جميع المسائل الدينية ، لا يورد مبطل ، شبهة ، عقلية ولا نقلية ، في إحقاق باطل ، أو رد حق ، إلا وفي أدلة الله ، من القواطع العقلية والنقلية ، ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه فإذا هو متبين بطلانه لكل أحد. وهذا يتبين باستقراء المسائل ، مسألة مسألة ، فإنك تجدها كذلك. ثمّ قال : (وَلَكُمُ) أيها الواصفون الله ، بما لا يليق به ، من اتخاذ الولد والصاحبة ، ومن الأنداد والشركاء ، حظكم من ذلك ، ونصيبكم الذي تدركون به (الْوَيْلُ) والندامة والخسران. ليس لكم مما قلتم فائدة ، ولا يرجع عليكم بعائدة تؤملونها ، وتعملون لأجلها ، وتسعون في الوصول إليها ، إلا عكس مقصودكم ، وهو : الخيبة والحرمان. ثمّ أخبر أنه له ملك السموات والأرض وما بينهما ، فالكل عبيده ومماليكه ، فليس لأحد منهم ملك ولا قسط من الملك ، ولا معاونة عليه ، ولا يشفع إلا بإذن الله ، فكيف يتخذ من هؤلاء آلهة وكيف يجعل لله منها ولد؟
[١٩] فتعالى وتقدس ، المالك العظيم ، الذي خضعت له الرقاب ، وذلّت له الصعاب ، وخشعت له الملائكة المقربون ، وأذعنوا له بالعبادة الدائمة المستمرة ، أجمعون. ولهذا قال : (وَمَنْ عِنْدَهُ) أي : الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) أي : لا يملون ولا يسأمون ، لشدة رغبتهم ، وكمال محبتهم ، وقوة أبدانهم.
[٢٠] (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢٠) أي : مستغرقون في العبادة والتسبيح في جميع أوقاتهم فليس في أوقاتهم وقت فارغ ولا خال منها وهم على كثرتهم بهذه الصفة ، وفي هذا من بيان عظمته وجلالة سلطانه وكمال علمه وحكمته ، ما يوجب أن لا يعبد إلا هو ، ولا تصرف العبادة لغيره.
[٢١] لما بيّن تعالى كمال اقتداره وعظمته ، وخضوع كل شيء له ، أنكر على المشركين الّذين اتخذوا من دون الله آلهة من الأرض ، في غاية العجز وعدم القدرة (هُمْ يُنْشِرُونَ). استفهام بمعنى النفي ، أي : لا يقدرون على نشرهم وحشرهم ، يفسرها قوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) ، (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) ... (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) (٧٥). فالمشرك يعبد المخلوق ، الذي لا ينفع ولا يضر ، ويدع الإخلاص لله ، الذي له الكمال كله وبيده الأمر والنفع والضر.
[٢٢ ـ ٢٣] وهذا من عدم توفيقه ، وسوء حظه ، وتوفّر جهله ، وشدة ظلمه ، فإنه لا يصلح الوجود ، إلا على