إلى الوصول ، إلى مطالبهم من البلدان ، ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان.
[٣٢ ـ ٣٣] (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً) للأرض التي أنتم عليهم (مَحْفُوظاً) من السقوط (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) محفوظا أيضا من استراق الشياطين للسمع. (وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) أي : غافلون لاهون ، وهذا عام في جميع آيات السماء ، من علوها ، وسعتها ، وعظمتها ، ولونها الحسن ، وإتقانها العجيب ، وغير ذلك من المشاهد فيها ، من الكواكب الثوابت ، والسيارات ، وشمسها ، وقمرها النيران ، المتولد عنهما ، الليل والنهار ، وكونهما دائما في فلكهما سابحين ، وكذلك النجوم. فتقوم بسبب ذلك منافع العباد من الحر والبرد ، والفصول ، ويعرفون حساب عباداتهم ومعاملاتهم ، ويستريحون في ليلهم ، ويهدؤون ويسكنون وينتشرون في نهارهم ، ويسعون في معايشهم. كل هذه الأمور إذا تدبرها اللبيب ، وأمعن فيها النظر ، جزم جزما لا شك فيه ، أن الله جعلها مؤقتة في وقت معلوم ، إلى أجل محتوم ، يقضي العباد منها مآربهم ، وتقوم بها منافعهم ، وليستمتعوا وينتفعوا. ثمّ بعد هذا ، ستزول وتضمحل ، ويفنيها الذي أوجدها ، ويسكنها الذي حركها. وينتقل المكلفون إلى دار غير هذه الدار ، يجدون فيها جزاء أعمالهم ، كاملا موفرا ويعلم أن المقصود من هذه الدار أن تكون مزرعة لدار القرار ، وأنها منزل سفر ، لا محل إقامة.
[٣٤] لما كان أعداء الرسول يقولون : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) قال الله تعالى : هذا طريق مسلوك ومعبد ، منهوك ، فلم نجعل لبشر (مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (الْخُلْدَ) في الدنيا ، فإذا مت ، فسبيل أمثالك ، من الرسل والأنبياء ، والأولياء. (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) أي : فهل إذا مت خلّدوا بعدك ، فليهنهم الخلود ، إذا ، إن كان ، وليس الأمر كذلك ، بل كل من عليها فان ، ولهذا قال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ، وهذا يشمل سائر نفوس الخلائق ، وإن هذا كأس لا بد من شربه وإن طال بالعبد المدى ، وعمر سنين.
[٣٥] ولكن الله تعالى ، أوجد عباده في الدنيا ، وأمرهم ، ونهاهم ، وابتلاهم بالخير والشر ، وبالغنى والفقر ، والعز والذل ، والحياة والموت ، فتنة منه تعالى (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو.
(وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) فنجازيكم بأعمالكم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ). وهذه الآية ، تدل على بطلان قول من يقول ببقاء الخضر ، وأنه مخلد في الدنيا ، فهو قول ، لا دليل عليه ، ومناقض للأدلة الشرعية.
[٣٦] وهذا من شدة كفرهم ، فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، استهزؤوا به ، وقالوا : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) ، أي : هذا المحتقر بزعمهم ، الذي يسب آلهتكم ويذمها ، ويقع فيها ، أي : فلا تبالوا به ، ولا تحتفلوا به. هذا استهزاؤهم واحتقارهم له ، بما هو من كماله ، فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله ومكارمه ، إخلاص العبادة لله ، وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه ، وذكر محله ومكانته. ولكن محل الازدراء والاستهزاء ، هؤلاء الكفار ، الّذين جمعوا كل خلق ذميم ، ولو لم يكن إلا كفرهم بالرب ، وجحدهم لرسله فصاروا بذلك ، من أخسأ