الخلق وأراذلهم ، ومع هذا ، فذكرهم للرحمن ، الذي هو أعلى حالاتهم ، كافرون به ، لأنهم لا يذكرونه ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون فذكرهم كفر وشرك ، فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال : (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) وفي ذكر اسمه (الرَّحْمنِ) هنا ، بيان لقباحة حالهم ، وأنهم كيف قابلوا الرحمن ـ مسدي النعم كلها ، ودافع النقم الذي ، ما بالعباد من نعمة إلا منه ، ولا يدفع السوء إلا هو ـ بالكفر والشرك.
[٣٧] (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) أي : خلق عجولا ، يبادر الأشياء ، ويستعجل وقوعها ، فالمؤمنون ، يستعجلون عقوبة الله للكافرين ، ويستبطئونها ، والكافرون ، يتولون ويستعجلون بالعذاب ، تكذيبا وعنادا.
[٣٨] ويقولون : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) والله تعالى ، يمهل ولا يهمل ويحلم ، ويجعل لهم أجلا مؤقتا (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ). ولهذا قال : (سَأُرِيكُمْ آياتِي) أي : في انتقامي ممن كفر بي وعصاني (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) ذلك ، وكذلك الّذين كفروا (يَقُولُونَ : مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قالوا هذا القول ، اغترارا ، ولما يحق عليهم العقاب ، وينزل بهم العذاب.
[٣٩] ف (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) حالهم الشنيعة (حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) إذ قد أحاط بهم من كل جانب وغشيهم من كل مكان (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي : لا ينصرهم غيرهم ، فلا نصروا ولا انتصروا.
[٤٠] (بَلْ تَأْتِيهِمْ) النار (بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ) من الانزعاج والذعر والخوف العظيم. (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها)
إذ هم أذل وأضعف ، من ذلك. (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي : يمهلون ، فيؤخر عنهم العذاب ، فلو علموا هذه الحالة حق المعرفة ، لما استعجلوا بالعذاب ، ولخافوه أشد الخوف ، ولكن لما ترحل عنهم هذا العلم ، قالوا ما قالوا ، ولما ذكر استهزاءهم برسوله بقولهم (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) سلّاه بأن هذا دأب الأمم السالفة مع رسلهم فقال :
[٤١] (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) ، أي : نزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : نزل بهم العذاب ، وتقطعت عنهم الأسباب ، فليحذر هؤلاء ، أن يصيبهم ما أصاب أولئك المكذبين.
[٤٢] يقول تعالى ـ ذاكرا عجز هؤلاء ، الّذين اتخذوا من دونه آلهة ، وأنهم محتاجون مضطرون إلى ربهم الرحمن ، الذي رحمته ، شملت البرّ ، والفاجر ، في ليلهم ونهارهم فقال : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) أي : يحرسكم ويحفظكم (بِاللَّيْلِ) إذا كنتم نائمين على فرشكم ، وذهبت حواسكم (وَالنَّهارِ) وقت انتشاركم وغفلتكم (مِنَ الرَّحْمنِ) أي : بدله غيره ، أي : هل يحفظكم أحد غيره؟ لا حافظ إلا هو. (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) فلهذا أشركوا به ، وإلا فلو أقبلوا على ربهم ، وتلقوا نصائحه ، لهدوا لرشدهم ، ووفّقوا في أمرهم.
[٤٣] (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) أي : إذا أردناهم بسوء هل من آلهتهم ، من يقدر على منعهم من ذلك السوء ، والشر النازل بهم. (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي : لا يعانون على أمورهم من