المنتفعون بذلك ، علما وعملا.
[٤٩] ثم فسر المتقين فقال : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي : يخشونه في حال غيبتهم ، وعدم مشاهدة الناس لهم ، فمع المشاهدة أولى ، فيتورعون عما حرم ، ويقومون بما ألزم. (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) أي : خائفون وجلون ، لكمال معرفتهم بربهم ، فجمعوا بين الإحسان والخوف ، والعطف ، هنا ، من باب عطف الصفات المتغايرات ، الواردة على شيء واحد ، وموصوف واحد.
[٥٠] (وَهذا) أي : القرآن (ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) فوصفه بوصفين جليلين ، كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب ، من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله ، ومن صفات الرسل والأولياء وأحوالهم ، ومن أحكام الجزاء ، والجنة ، والنار ، فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية ، وسماه ذكرا ، لأنه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر ، من التصديق بالأخبار الصادقة ، والأمر بالحسن عقلا ، والنهي عن القبيح عقلا ، وكونه مباركا يقتضي كثرة خيره ونمائه ، وزيادته ، ولا شيء أعظم بركة من هذا القرآن ، فإن كل خير ونعمة ، وزيادة دينية أو دنيوية ، أو أخروية ، فإنها بسببه ، وأثر عن العمل به. فإذا كان ذكرا مباركا ، وجب تلقيه بالقبول والانقياد ، والتسليم ، وشكر الله على هذه المنحة الجليلة ، والقيام بها ، واستخراج بركته ، بتعلم ألفاظه ومعانيه ، ومقابلته بضد هذه الحالة ، من الإعراض عنه ، والإضراب عنه صفحا ، وإنكاره ، وعدم الإيمان به فهذا من أعظم الكفر وأشد الجهل والظلم ، ولهذا أنكر تعالى ، على من أنكره فقال : (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ).
[٥١] لما ذكر تعالى موسى ومحمدا صلىاللهعليهوسلم ، وكتابيهما قال : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل إرسال موسى ومحمد ، ونزول كتابيهما. فأراه الله ملكوت السموات والأرض ، وأعطاه من الرشد ، الذي كمل به نفسه ، ودعا الناس إليه ، ما لم يؤته أحدا من العالمين ، غير محمد ، وأضاف الرشد إليه ، لكونه رشدا بحسب حاله ، وعلو مرتبته ، وإلا ، فلا مؤمن ، له من الرشد ، بحسب ما معه في الإيمان. (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) أي : أعطيناه رشده ، واختصصناه بالرسالة والخلة ، واصطفيناه في الدنيا والآخرة ، لعلمنا أنه أهل لذلك ، وكفء له ، لزكائه وذكائه ، ولهذا ذكر محاجته لقومه ، ونهيهم عن الشرك ، وتكسير الأصنام ، وإلزامهم بالحجة.
[٥٢] فقال : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ) التي مثلتموها ونحتموها بأيديكم ، على صور بعض المخلوقات (الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) مقيمون على عبادتها ، ملازمون لذلك ، فما هي؟ وأي فضيلة ثبتت لها؟ وأين عقولكم ، التي ذهبت حتى أفنيتم أوقاتكم بعبادتها؟ والحال أنكم مثلتموها ، ونحتموها بأيديكم ، فهذا من أكبر العجائب ، تعبدون ما تنحتون.
[٥٣] فأجابوا بغير حجة ، جواب العاجز ، الذي ليس بيده أدنى شبهة فقالوا : (وَجَدْنا آباءَنا) كذلك يفعلون ، فسلكنا سبيلهم ، واتبعناهم على عبادتها.
[٥٤] ومن المعلوم أن فعل أحد من الخلق سوى الرسل ، ليس بحجة ، ولا تجوز به القدوة : خصوصا ، في أصل