(مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ، وسخر طائفة منهم ، لبناء بيت المقدس ، ومات ، وهم على عمله ، وبقوا بعده سنة ، حتى علموا موته ، كما سيأتي ، إن شاء الله تعالى. (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أي : لا يقدرون على الامتناع عنه وعصيانه ، بل حفظهم الله له ، بقوته وعزته ، وسلطانه.
[٨٣] أي : واذكر عبدنا ورسولنا ، أيوب مثنيا معظما له ، رافعا لقدره ، حين ابتلاه ، ببلاء شديد ، فوجده صابرا راضيا عنه ، وذلك أن الشيطان سلط على جسده ، ابتلاء من الله ، وامتحانا فنفخ في جسده ، فتقرح قروحا عظيمة ومكث مدة طويلة ، واشتد به البلاء ، ومات أهله ، وذهب ماله ، فنادى ربه قائلا رب : (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
[٨٤] فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه ، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ ، وبرحمة ربه الواسعة العامة استجاب الله له ، وقال : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) (٤٢) فركض برجله ، فخرجت من ركضته عين ماء باردة ، فاغتسل منها وشرب ، فأذهب الله عنه ما به من الأذى. (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ) أي : رددنا عليه أهله وماله. (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) بأن منحه الله العافية ، ومن الأهل والمال شيئا كثيرا. (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) به ، حيث صبر ورضي ، فأثابه الله ثوابا عاجلا ، قبل ثواب الآخرة. (وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) أي : جعلناه عبرة للعابدين ، الّذين ينتفعون بالصبر ، فإذا رأوا ما أصاب أيوب عليهالسلام من البلاء ، ثمّ ما أثابه الله بعد زواله ، ونظروا السبب ، وجدوه ، الصبر ، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ، فجعلوه أسوة وقدوة ، عند ما يصيبهم الضر.
[٨٥ ـ ٨٦] أي : واذكر عبادنا المصطفين ، وأنبياءنا المرسلين بأحسن الذكر ، وأثن عليهم ، أبلغ الثناء ، إسماعيل بن إبراهيم ، وإدريس ، وذا الكفل ، نبيين من أنبياء بني إسرائيل (كُلٌ) من هؤلاء المذكورين (مِنَ الصَّابِرِينَ) ، والصبر هو : حبس النفس ومنعها ، مما تميل بطبعها إليه ، وهذا يشمل أنواع الصبر الثلاثة : الصبر على طاعة الله ، والصبر عن معصية الله ، والصبر على أقدار الله المؤلمة ، فلا يستحق العبد اسم الصبر التام ، حتى يوفي هذه الثلاثة حقها. فهؤلاء الأنبياء ، عليهم الصلاة والسّلام ، قد وصفهم الله بالصبر ، فدل أنهم وفوها حقها ، وقاموا بها ، كما ينبغي ، ووصفهم أيضا بالصلاح ، وهو يشمل صلاح القلب ، بمعرفة الله ومحبته ، والإنابة إليه كل وقت ، وصلاح اللسان ، بأن يكون رطبا من ذكر الله ، وصلاح الجوارح ، باشتغالها بطاعة الله وكفّها عن المعاصي. فبصبرهم وصلاحهم ، أدخلهم الله برحمته ، وجعلهم مع إخوانهم من المرسلين ، وأثابهم الثواب العاجل والآجل. ولو لم يكن من ثوابهم ، إلا أن الله تعالى نوّه بذكرهم في العالمين وجعل لهم لسان صدق في الآخرين ، لكفى بذلك شرفا وفضلا.
[٨٧] أي : واذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو : يونس ، أي : صاحب النون ، وهي الحوت ، بالذكر الجميل ، والثناء الحسن ، فإن الله تعالى أرسله إلى قومه ، فدعاهم ، فلم يؤمنوا ، فوعدهم بنزول العذاب بأمد سماه لهم. فجاءهم العذاب ورأوه عيانا ، فعجّوا إلى الله ، وضجوا وتابوا ، فرفع الله عنهم العذاب كما قال تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ