البشر ، آدم عليهالسلام. (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي : مني ، وهذا ابتداء أول التخليق. (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) أي : تنقلب تلك النطفة ، بإذن الله ، دما أحمر. (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) أي : ينتقل الدم مضغة ، أي : قطعة لحم ، بقدر ما يمضغ. وتلك المضغة تارة تكون (مُخَلَّقَةٍ) أي : مصور منها خلق الآدمي. (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) تارة ، بأن تقذفها الأرحام ، قبل تخليقها. (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) أصل نشأتكم ، مع قدرته تعالى ، على تكميل خلقه في لحظة واحدة ، ولكن ليبين لنا ، كمال حكمته ، وعظيم قدرته ، وسعة رحمته. (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، ونقر. أي : نبقي في الأرحام من الحمل ، الذي لم تقذفه الأرحام ، ما نشاء إبقاءه إلى أجل مسمى وهو مدة الحمل. (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) من بطون أمهاتكم (طِفْلاً) لا تعلمون شيئا ، وليس لكم قدرة. وسخرنا لكم الأمهات ، وأجرينا لكم في ثديها ، الرزق ، ثمّ تنقلون ، طورا بعد طور ، حتى تبلغوا أشدكم ، وهو كمال القوة والعقل. (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) من قبل أن يبلغ سن الرشد ، ومنكم من يتجاوزه فيرد إلى أرذل العمر ، أي : أخسه وأرذله ، وهو : سن الهرم والتخريف ، الذي به يزول العقل ، ويضمحل ، كما زالت باقي القوة ، وضعفت. (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) أي : لأجل أن لا يعلم هذا المعمر شيئا ، مما كان يعلمه قبل ذلك ، وذلك لضعف عقله. فقوة الآدمي محفوفة بضعفين ، ضعف الطفولية ونقصها ، وضعف الهرم ونقصه ، كما قال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ). والدليل الثاني ، إحياء الأرض بعد موتها ، فقال الله فيه : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) أي : خاشعة مغبرة لا نبات فيها ، ولا خضرة. (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) أي : تحركت بالنبات (وَرَبَتْ) أي : ارتفعت بعد خشوعها وذلك لزيادة نباتها. (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أي : صنف من أصناف النبات (بَهِيجٍ) أي : يبهج الناظرين ، ويسر المتأملين ، فهذان الدليلان القاطعان ، يدلان على هذه المطالب الخمسة ، وهي هذه.
[٦] (ذلِكَ) الذي أنشأ الآدمي من ما وصف لكم ، وأحيا الأرض بعد موتها. (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي : الرب المعبود ، الذي لا تنبغي العبادة إلّا له ، وعبادته هي الحقّ ، وعبادة غيره باطلة. (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) كما ابتدأ الخلق ، وكما أحيا الأرض بعد موتها. (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كما أشهدكم من بديع قدرته ، وعظيم صنعته ، ما أشهدكم.
[٧] (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) فلا وجه لاستبعادها. (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) فيجازيكم بأعمالكم حسنها وسيئها.
[٨] المجادلة المتقدمة للمقلد ، وهذه المجادلة للشيطان المريد ، الداعي إلى البدع. فأخبر أنه (يُجادِلُ فِي اللهِ) أي : يجادل رسل الله وأتباعهم بالباطل ليدحض به الحقّ. (بِغَيْرِ عِلْمٍ) صحيح (وَلا هُدىً) أي : غير متبع في جداله هذا من يهديه ، لا عقل مرشد ، ولا متبوع مهتد. (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي : واضح بين ، فلا له حجة عقلية ولا نقلية.
[٩] إن هي إلّا شبهات ، يوحيها إليه الشيطان (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ). مع هذا (ثانِيَ عِطْفِهِ) أي : لاوي جانبه ، وعنقه ، وهذا كناية عن كبره عن الحقّ ، واحتقاره للخلق. فقد فرح بما معه من العلم الغير النافع ، واحتقر أهل الحقّ ، وما معهم من الحقّ. (لِيُضِلَ) الناس أي : ليكون من دعاة الضلال ، ويدخل تحت هذا جميع أئمة الكفر والضلال. ثمّ ذكر عقوبتهم الدنيوية والأخروية فقال : (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي : يفتضح هذا في الدنيا قبل الآخرة ، وهذا من آيات الله العجيبة ، فإنك لا تجد داعيا من دعاة الكفر والضلال ، إلّا وله من المقت بين العالمين ، واللعنة ، والبغض ، والذم ، ما هو حقيق به ، وكلّ بحسب حاله. (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) أي : نذيقه حرّها الشديد ، وسعيرها البليغ ، وذلك بما قدمت يداه.
[١٠] (ذلِكَ) ما ذكر من العذاب الدنيوي والأخروي ، وما فيه من معنى البعد (وهو معنى اللام في «ذلك» الموضوعة للدلالة على البعد) للدلالة على كون الكافر في الغاية القصوى من الهول والفظاعة. (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ)