أي : بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصي. (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي : والأمر أنه تعالى ليس بمعذب عبيده بغير ذنب من قبلهم. والمعنى الإجمالي : أنه يقال للكافر الموصوف بتلك الأوصاف في الآيتين السابقتين : ذلك الذي تلقاه من خزي وعذاب إنّما كان بسبب افترائك ، وتكبرك لأن الله عادل لا يظلم ، ولا يسوي بين المؤمن والكافر ، والصالح والفاجر ، بل يجازي كلا منهم بعمله.
[١١] أي : (وَمِنَ النَّاسِ) من هو ضعيف الإيمان ، لم يدخل الإيمان قلبه ، ولم تخالطه بشاشته ، بل دخل فيه ، إما خوفا ، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) أي : إن استمر رزقه رغدا ، ولم يحصل له من المكاره شيء ، اطمأن بذلك الخير ، لا إيمانه. فهذا ، ربما أن الله يعافيه ، ولا يقيض له من الفتن ، ما ينصرف به عن دينه. (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) من حصول مكروه ، أو زوال محبوب (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) أي : ارتد عن دينه. (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) أما في الدنيا ، فإنه يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأسا لماله ، وعوضا عما يظن إدراكه فخاب سعيه ، ولم يحصل له ، إلّا ما قسم له. وأما الآخرة ، فظاهر ، حرم الجنة التي عرضها السموات والأرض ، واستحق النار. (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) أي : الواضح البيّن.
[١٢] (يَدْعُوا) هذا الراجع على وجهه (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ). وهذا صفة كلّ مدعو ومعبود ، من دون الله ، فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره ، نفعا ولا ضرا. (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) الذي بلغ في البعد إلى حد النهاية ، حيث أعرض عن عبادة النافع الضار ، الغني المغني.
[١٣] وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه ، ليس بيده من الأمر شيء ، بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب. ولهذا قال : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) فإن ضرره في العقل والبدن ، والدنيا والآخرة ، معلوم (لَبِئْسَ الْمَوْلى) أي : هذا المعبود (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) أي : القرين الملازم على صحبته ، فإن المقصود من المولى والعشير ، حصول النفع ، ودفع الضرر ، فإذا لم يحصل شيء من هذا ، فإنه مذموم ملوم.
[١٤] لما ذكر تعالى المجادل بالباطل ، وأنه على قسمين ، مقلد ، وداع ، ذكر أن المتسمي بالإيمان أيضا على قسمين ، قسم لم يدخل الإيمان قلبه كما تقدم. والقسم الثاني : المؤمن حقيقة ، صدق ما معه من الإيمان بالأعمال الصالحة فأخبر تعالى أنه يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار. وسميت الجنة جنة ، لاشتمالها على المنازل والقصور والأشجار والنباتات التي تجنّ من فيها ، ويستتر بها ، من كثرتها. (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) فمهما أراده تعالى ، فعله من غير ممانع ولا معارض ، ومن ذلك ، إيصال أهل الجنة إليها ، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه.
[١٥] أي : من كان يظن ، أن الله لا ينصر رسوله ، وأن دينه سيضمحل ، فإن النصر ، من الله ينزل من السماء (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ) النصر عن الرسول. (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) أي : ما يكيد به الرسول ، ويعمله من محاربته ، والحرص على إبطال دينه ، ما يغيظه من ظهور دينه ، وهذا استفهام بمعنى النفي ، أي : إنه لا يقدر على شفاء غيظه ، بما يعمله من الأسباب. ومعنى هذه الآية الكريمة : يا أيها المعادي للرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ،