الساعي في إطفاء دينه ، الذي يظن بجهله ، أن سعيه سيفيده شيئا ، اعلم أنك ، مهما فعلت من الأسباب ، وسعيت في كيد الرسول ، فإن ذلك لا يذهب عيظك ، ولا يشفي كمدك ، فليس لك قدرة في ذلك ، ولكن سنشير عليك برأي ، تتمكن به من شفاء غيظك ، ومن قطع النصر عن الرسول ، إن كان ممكنا. ائت الأمر من بابه ، وارتق إليه بأسبابه ، اعمد إلى حبل من ليف أو غيره ، ثم علّقه في السماء ، ثم اصعد به ، حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر ، فسدّها ، وأغلقها ، واقطعها ، فبهذه الحال تشفي غيظك. فهذا هو الرأي والمكيدة ، وما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك ولو ساعدك من ساعدك من الخلق. وهذه الآية الكريمة ، فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ، ولرسوله ، وعباده المؤمنين ، ما لا يخفى ، ومن تأييس الكافرين ، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ، ولو كره الكافرون ، أي : وسعوا مهما أمكنهم.
[١٦] أي : وكذلك لما فصلنا في هذا القرآن ما فصلنا ، جعلناه آيات بينات ، واضحات ، دالات على جميع المطالب والمسائل النافعة ، ولكن الهداية بيد الله ، فمن أراد الله هدايته ، اهتدى بهذا القرآن ، وجعله إماما له وقدوة ، واستضاء بنوره ، ومن لم يرد الله هدايته ، فلو جاءته كلّ آية ، ما آمن ، ولم ينفعه القرآن شيئا ، بل يكون حجة عليه.
[١٧ ـ ٢٠] يخبر تعالى عن طوائف أهل الأرض ، من الذين أوتوا الكتاب ، من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين ، ومن المجوس ، ومن المشركين أن الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل ، ويجازيهم بأعمالهم ، التي حفظها وكتبها ، وشهدها ، ولهذا قال : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). ثمّ فصل هذا الفصل بينهم بقوله : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) كلّ يدعي أنه المحق. (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) يشمل كلّ كافر ، من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والصابئين ، والمشركين. (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) أي : يجعل لهم ثياب من قطران ، وتشعل فيها النار ، ليعمهم العذاب ، من جميع جوانبهم. (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) الماء الحار جدا ، يصهر ما في بطونهم من اللحم والشحم والأمعاء ، من شدة حره ، وعظيم أمره.
[٢١] (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (٢١) بيد الملائكة الغلاظ الشداد ، تضربهم فيها وتقمعهم.
[٢٢] (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) فلا يفتّر عنهم العذاب ، ولا هم ينظرون ، ويقال لهم توبيخا : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي : المحرق للقلوب والأبدان.
[٢٣ ـ ٢٤] (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، ومعلوم أن هذا الوصف لا يصدق على غير المسلمين ، الّذين آمنوا بجميع الكتب ، وجميع الرسل. (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) أي : يسوّرون في أيديهم ، رجالهم ونساؤهم أساور الذهب. (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) فتم نعيمهم بذلك ، من أنواع المأكولات اللذيذات المشتمل عليها ، لفظ الجنات ، وذكر الأنهار السارحات ، أنهار الماء واللبن والعسل والخمر. وأنواع اللباس ، والحلي الفاخر. وذلك بسبب أنهم (هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) الذي أفضله وأطيبه كلمة