[٧٢] أي : أو منعهم من اتباعك يا محمد ، أنك تسألهم على الإجابة أجرا (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) يتكلفون من اتباعك ، بسبب ما تأخذ منهم من الأجر والخراج ، ليس الأمر كذلك (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، وهذا كما قال الأنبياء لأممهم (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ، أي : ليسوا يدعون الخلق ، طمعا فيما يصيبهم منهم ، من الأموال ، وإنما يدعونهم ، نصحا لهم ، وتحصيلا لمصالحهم ، بل كان الرسل ، أنصح للخلق من أنفسهم ، فجزاهم الله عن أممهم ، خير الجزاء ، ورزقنا الاقتداء بهم ، في جميع الأحوال.
[٧٣ ـ ٧٤] ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات ، كل سبب موجب للإيمان ، وذكر الموانع ، وبين فسادها ، واحدا بعد واحد ، فذكر من الموانع أن قلوبهم في غمرة ، وأنهم لم يدبروا القول ، وأنهم اقتدوا بآبائهم ، وأنهم قالوا : برسولهم جنة ، كما تقدم الكلام عليها. وذكر من الأمور الموجبة لإيمانهم ، تدبر القرآن ، وتلقّي نعمة الله بالقبول ، ومعرفة حال محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكمال صدقه وأمانته ، وأنه لا يسألهم عليه أجرا ، وإنما سعيه لنفعهم ومصلحتهم ، وأن الذي يدعوهم إليه ، صراط مستقيم ، وسهل على العاملين لاستقامته ، موصل إلى المقصود ، من قرب ، حنيفية سمحة ، حنيفية في التوحيد ، سمحة في العمل ، فدعوتك إياهم إلى الصراط المستقيم ، توجب لمن يريد الحق أن يتبعك ، لأنه مما تشهد العقول والفطر بحسنه ، وموافقته للمصالح ، فأين يذهبون إن لم يتابعوك؟ فإنهم ليس عندهم ، ما يغنيهم ويكفيهم عن متابعتك ، لأنهم (عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) متجنبون منحرفون ، عن الطريق الموصل إلى الله ، وإلى دار كرامته ، ليس في أيديهم إلا ضلالات وجهالات. وهكذا كل من خالف الحق ، لا بد أن يكون منحرفا في جميع أموره ، قال تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ).
[٧٥] هذا بيان لشدة تمردهم ، وأنهم إذا أصابهم الضر ، دعوا الله أن يكشف عنهم ، ليؤمنوا ، أو ابتلاهم بذلك ، ليرجعوا إليه. إن الله إذا كشف الضر عنهم ، لجّوا ، أي : استمروا في طغيانهم يعمهون ، أي : يجولون في كفرهم ، حائرين مترددين. كما ذكر الله حالهم عند ركوب الفلك ، وأنهم يدعون مخلصين له الدين ، وينسون ما يشركون به ، فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بالشرك وغيره.
[٧٦] (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) قال المفسرون : المراد بذلك : الجوع الذي أصابهم سبع سنين ، وأن الله ابتلاهم بذلك ، ليرجعوا إليه ، بالذل والاستسلام ، فلم ينجع فيهم ، ولا نجح منهم أحد. (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) أي : خضعوا وذلوا (وَما يَتَضَرَّعُونَ) إليه ويفتقرون ، بل مرّ عليهم ذلك ، ثمّ زال ، كأنه لم يصبهم ، لم يزالوا في غيهم وكفرهم.
[٧٧] ولكن وراءهم ، العذاب الذي لا يرد ، وهو قوله : (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) كالقتل يوم بدر وغيره ، (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) آيسون من كل خير ، قد حضرهم الشر وأسبابه ، فليحذروا قبل نزول عذاب الله