الشديد ، الذي لا يرد ، بخلاف مجرد العذاب ، فإنه ربما أقلع عنهم ، كالعقوبات الدنيوية ، التي يؤدب الله بها عباده. قال تعالى فيها : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٤١).
[٧٨] يخبر تعالى ، بمنته على عباده الداعية لهم إلى شكره ، والقيام بحقه فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ) لتدركوا به المسموعات فتنتفعوا في دينكم ودنياكم. (وَالْأَبْصارَ) لتدركوا بها المبصرات ، فتنتفعوا بها في مصالحكم. (وَالْأَفْئِدَةَ) أي : العقول التي تدركون بها الأشياء ، وتتميزون بها عن البهائم. فلو عدمتم السمع ، والأبصار ، والعقول ، بأن كنتم صما عميا بكما ما ذا تكون حالكم؟ وماذا تفقدون من ضرورياتكم وكمالكم؟ أفلا تشكرون الذي منّ عليكم بهذه النعم ، فتقومون بتوحيده وطاعته؟ ولكنكم ، قليل شكركم ، مع توالي النعم عليكم.
[٧٩] (وَهُوَ) تعالى (الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : بثّكم في أقطارها ، وجهاتها ، وسلطكم على استخراج مصالحها ومنافعها ، وجعلها كافية لمعايشكم ، ومساكنكم. (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) بعد موتكم ، فيجازيكم بما عملتم في الأرض ، من خير وشر ، وتحدث الأرض التي كنتم فيها بأخبارها.
[٨٠] (وَهُوَ) تعالى وحده (الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي : المتصرف في الحياة والموت ، هو الله وحده. (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : تعاقبهما وتناوبهما ، فلو شاء أن يجعل النهار سرمدا ، من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه؟ ولو شاء أن يجعل الليل سرمدا ، من إله غير الله ، يأتيكم بضياء أفلا تبصرون؟ ومن رحمته ، جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ، ولتبتغوا من فضله ، ولعلكم تشكرون. ولهذا قال هنا : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) فتعرفون أن الذي وهب لكم ، من النعم ، السمع ، والأبصار ، والأفئدة ، والذي نشركم في الأرض ، وحده ، والذي يحيي ويميت ، وحده ، والذي يتصرف بالليل والنهار ، وحده ، أن ذلك موجب لكم ، أن تخلصوا له العبادة ، وحده لا شريك له ، وتتركوا عبادة من لا ينفع ولا يضر ، ولا يتصرف بشيء ، بل هو عاجز من كل وجه ، فلو كان لكم عقل ، لم تفعلوا ذلك.
[٨١ ـ ٨٢] أي : بل سلك هؤلاء المكذبون ، مسلك الأولين ، من المكذبين بالبعث ، واستبعدوه غاية الاستبعاد وقالوا : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) أي : هذا لا يتصور ، ولا يدخل العقل ، بزعمهم.
[٨٣] (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ) أي : ما زلنا نوعد بأن البعث كائن ، نحن وآباؤنا ، ولم نره ، ولم يأت بعد. (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : قصصهم وأسمارهم ، التي يتحدث بها ويتلهى ، وإلا فليس لها حقيقة ، وكذبوا ـ قبحهم الله ـ فإن الله أراهم ، من آياته أكبر من البعث ، ومثله ، ما قاله الله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ). (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٧٨) الآيات (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) الآيات.
[٨٤ ـ ٨٥] أي : قل لهؤلاء المكذبين بالبعث ، العادلين بالله غيره ، محتجا عليهم بما أثبتوه ، وأقروا به ، من توحيد الربوبية ، وانفراد الله بها ـ على ما أنكروه ، من توحيد الإلهية والعبادة ، وبما أثبتوه من خلق المخلوقات العظيمة ، على ما أنكروه من إعادة الموتى ، الذي هو أسهل من ذلك : (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) أي : من هو الخالق للأرض ، ومن عليها ، من حيوان ، ونبات ، وجماد ، وبحار ، وأنهار ، وجبال ، ومن المالك لذلك ، المدبر له؟ فإنك إذا سألتهم عن ذلك ، لا بد أن يقولوا : الله وحده ، فقل لهم إذا أقروا بذلك : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : أفلا ترجعون إلى ما ذكركم الله به ، مما هو معلوم عندكم ، مستقر في فطركم ، قد يغيبه الإعراض في بعض الأوقات. الحقيقة أنكم إن رجعتم إلى ذاكرتكم ، بمجرد التأمل ، علمتم أن مالك ذلك ، هو المعبود وحده ، وأن إلهية من هو مملوك ، أبطل الباطل.
[٨٦] ثمّ انتقل إلى ما هو أعظم من ذلك ، فقال : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ) وما فيها من النيرات ، والكواكب السيارات ، والثوابت (وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) الذي هو أعلى المخلوقات وأوسعها وأعظمها؟ فمن الذي