خلق ذلك ، ودبره ، وصرفه بأنواع التدبير؟
[٨٧] (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) أي : سيقرون بأن الله رب ذلك كله ، قل لهم حين يقرون بذلك : (أَفَلا تَتَّقُونَ) عبادة المخلوقات العاجزة ، وتتقون الرب العظيم ، كامل القدرة ، عظيم السلطان؟ وفي هذا من لطف الخطاب ، من قوله : (أَفَلا تَتَّقُونَ) والوعظ بأداة العرض الجاذبة للقلوب ، ما لا يخفى.
[٨٨] ثم انتقل إلى إقرارهم بما هو أعم من ذلك كله فقال : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي : ملك كل شيء ، من العالم العلوي ، والعالم السفلي ، ما نبصره ، وما لا نبصره؟ و (الملكوت) صيغة مبالغة ، بمعنى الملك. (وَهُوَ يُجِيرُ) عباده من الشر ، ويدفع ، عنهم المكاره ، ويحفظهم مما يضرهم. (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) أي : لا يقدر أحد أن يجير على الله ، ولا يدفع الشر الذي قدره الله. بل ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه.
[٨٩] (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) أي : سيقرون أن الله المالك لكل شيء ، المجير ، الذي لا يجار عليه. (قُلْ) لهم حين يقرون بذلك ، ملزما لهم ، (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) أي : فأين تذهب عقولكم ، حيث عبدتم من علمتم أنهم لا ملك لهم ، ولا قسط من الملك ، وأنهم عاجزون من جميع الوجوه ، وتركتم الإخلاص للمالك العظيم القادر المدبر لجميع الأمور ، فالعقول التي دلتكم على هذا ، لا تكون إلا مسحورة ، وهي ـ بلا شك ـ قد سحرها الشيطان ، بما زيّن لهم ، وحسّن لهم ، وقلب الحقائق لهم ، فسحر عقولهم ، كما سحرت السحرة ، أعين الناس.
[٩٠] يقول تعالى : بل أتينا هؤلاء المكذبين بالحق ، المتضمن للصدق في الأخبار ، العدل في الأمر والنهي ، فما بالهم لا يعترفون به ، وهو أحق أن يتبع؟ وليس عندهم ، ما يعوضهم عنه ، إلا الكذب والظلم ولهذا قال : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
[٩١] (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) كذب يعرف بخبر الله ، وخبر رسله ، ويعرف بالعقل الصحيح ، ولهذا نبه تعالى على الدليل العقلي ، على امتناع إلهين فقال : (إِذاً) أي : لو كان معه آلهة كما يقولون (لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) أي : لانفرد كلّ واحد من الإلهين ، بمخلوقاته واستقل بها ، ولحرص على ممانعة الآخر ومغالبته. (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) فالغالب ، يكون هو الإله ، فمن التمانع ، لا يمكن وجود العالم ، ولا يتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول ، واعتبر ذلك بالشمس والقمر ، والكواكب الثابتة ، والسيارة ، فإنها منذ خلقت ، وهي تجري على نظام واحد ، وترتيب واحد ، كلها مسخرة بالقدرة ، مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم ، ليست مقصورة على أحد دون أحد ، ولن ترى فيها خللا ، ولا تناقضا ، ولا معارضة في أدنى تصرف ، فهل يتصور أن يكون ذلك ، تقدير إلهين ربّين؟ (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) قد نطقت بلسان حالها ، وأفهمت ببديع أشكالها ، أن المدبر لها ، إله واحد ، كامل الأسماء والصفات ، قد افتقرت إليه جميع المخلوقات ، في ربوبيته لها ، وفي إلهيته لها. فكما لا وجود لها ولا دوام ، إلا بربوبيته ، كذلك ، لا صلاح لها ولا قوام إلا بعبادته وإفراده بالطاعة.