مقارنة الزوج لزوجته ، والزوجة لزوجها ، أشد الاقترانات ، والازدواجات. وقد قال تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) [الصافات ، الآية : ٢٢] أي : قرناءهم. فحرم الله ذلك ، لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة ، وإلحاق الأولاد ، الّذين ليسوا من الزوج ، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها ، مما بعضه كاف في التحريم ، وفي هذا دليل ، على أن الزاني ليس مؤمنا ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» فهو وإن لم يكن مشركا ، فلا يطلق عليه اسم المدح ، الذي هو الإيمان المطلق.
[٤] لما عظم تعالى أمر الزاني بوجوب جلده وكذا رجمه ، إن كان محصنا ، وأنه لا تجوز مقارنته ، ولا مخالطته على وجه لا يسلم فيه العبد من الشر ، بين تعالى ، تعظيم الإقدام على الأعراض بالرمي بالزنا فقال : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) أي : النساء الحرائر العفائف ، وكذلك الرجال ، لا فرق بين الأمرين ، والمراد بالرّمي الرمي بالزنا ، بدليل السياق. (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا) على ما رموا به (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أي : رجال عدول ، يشهدون بذلك صريحا. (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) بسوط متوسط ، يؤلم فيه ، ولا يبالغ بذلك ، حتى يتلفه ، لأن القصد ، التأديب ، لا الإتلاف ، وفي هذا تقرير حد القذف ، ولكن بشرط ، أن يكون المقذوف كما قال تعالى محصنا مؤمنا. وأما قذف غير المحصن ، فإنه يوجب التعزير. (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) أي : لهم عقوبة أخرى ، وهو أن شهادة القاذف ، غير مقبولة ، ولو حدّ على القذف ، حتى يتوب كما يأتي. (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي : الخارجون عن طاعة الله ، الّذين قد كثر شرهم ، وذلك لانتهاك ما حرم الله ، وانتهاك عرض أخيه ، وتسليط الناس على الكلام بما تكلم به وإزالة الأخوة التي عقدها الله بين أهل الإيمان ، ومحبة أن تشيع الفاحشة ، في الّذين آمنوا ، وهذا دليل ، على أن القذف من كبائر الذنوب.
[٥] وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) ، فالتوبة في هذا الموضع ، أن يكذب القاذف نفسه ، ويقر أنه كاذب فيما قال ، وهو واجب عليه ، أن يكذب نفسه ولو تيقن وقوعه ، حيث لم يأت بأربعة شهداء. فإذا تاب القاذف وأصلح عمله ، وبدل إساءته إحسانا ، زال عنه الفسق ، وكذلك تقبل شهادته على الصحيح ، فإن الله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا ، لمن تاب وأناب ، وإنّما يجلد القاذف ، إذا لم يأت بأربعة شهداء إذا لم يكن زوجا.
[٦] فإن كان زوجا ، فقد ذكر بقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) إلى : (تَوَّابٌ حَكِيمٌ). وإنّما كانت شهادات الزوج على زوجته ، دارئة عنه الحد ، لأن الغالب ، أن الزوج لا يقدم على رمي زوجته ، التي يدنسه ما يدنسها إلّا إذا كان صادقا. ولأن له في ذلك حقا ، وخوفا من إلحاق أولاد ، ليسوا منه به ، ولغير ذلك من الحكم المفقودة في غيره فقال : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) أي : الحرائر لا المملوكات. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ) على رميهم بذلك (شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) بأن لم يقيموا شهداء ، على ما رموهن به (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ). سماها شهادة ، لأنها نائبة مناب الشهود ، بأن يقول : «أشهد بالله ، إني لمن الصادقين ، فيما رميتها به».
[٧] (وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٧) أي : يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة ، مؤكدا تلك