الشهادات ، بأن يدعو على نفسه ، باللعنة إن كان كاذبا ، فإذا تم لعانه ، سقط عنه حد القذف. وظاهر الآيات ، ولو سمى الرجل الذي رماها به ، فإنه يسقط حقه ، تبعا لها. وهل يقام عليها الحد ، بمجرد لعان الرجل ونكو لها أم تحبس؟ فيه قولان للعلماء. الذي يدل عليه الدليل ، أنه يقام عليه الحد بدليل قوله : [٨ ـ ٩] (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ) إلى آخره. فلو لا أن العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه ، لم يكن لعانها دارئا له ، ويدرأ عنها ، أي : يدفع عنها العذاب ، إذ قابلت شهادات الزوج ، بشهادات من جنسها. (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) وتزيد في الخامسة ، مؤكدة لذلك ، أن تدعو على نفسها بالغضب ، فإذا تم اللعان بينهما ، فرق بينهما إلى الأبد ، وانتفى الولد الملاعن عنه. وظاهر الآيات يدل على اشتراط هذه الألفاظ عند اللعان ، منه ومنها ، واشتراط الترتيب فيها ، وأن لا ينقص منها شيء ، ولا يبدل شيء بشيء. وأن اللعان مختص بالزوج إذا رمى امرأته ، لا بالعكس وأن الشبه في الولد مع اللعان لا عبرة به ، كما لا يعتبر مع الفراش ، وإنما يعتبر الشبه حيث لا مرجح ، إلا هو.
[١٠] (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١٠) وجواب الشرط محذوف ، يدل عليه سياق الكلام أي : لأحل بأحد المتلاعنين الكاذب منهما ، ما دعا به على نفسه ، ومن رحمته وفضله ، ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين ، لشدة الحاجة إليه ، وأن بين لكم شدة الزنا وفظاعته ، وفظاعة القذف به ، وأن شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها.
[١١] لما ذكر فيما تقدم تعظيم الرّمي بالزنا عموما ، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة ، التي وقعت على أشرف النساء ، أم المؤمنين رضي الله عنها ، وهذه الآيات ، نزلت في قصة الإفك المشهورة ، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد. وحاصلها أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، في بعض غزواته ، ومعه زوجته عائشة الصديقة ، بنت الصديق. فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها ، فلم يفقدوها ثم استقل الجيش راحلا ، وجاءت مكانهم ، وعلمت أنهم إذا فقدوها ، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم. وكان صفوان بن المعطل السلمي ، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه ، قد عرّس في أخريات القوم ، ونام ، فرأى عائشة رضي الله عنها ، فعرفها ، فأناخ راحلته ، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه ، ثم جاء يقود بها ، بعد ما نزل الجيش في الظهيرة. فلما رأى بعض المنافقين ، الذين في صحبة النبي صلىاللهعليهوسلم ، في ذلك السفر ، مجيء ، صفوان بها في هذه الحال أشاع ما أشاع ، وفشا الحديث ، وتلقفته الألسن ، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين ، وصاروا يتناقلون هذا الكلام ، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلىاللهعليهوسلم. وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة ، فحزنت حزنا شديدا ، فأنزل الله براءتها في هذه الآيات. ووعظ الله المؤمنين ، وأعظم ذلك ، ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) أي : الكذب الشنيع ، وهو رمي أم المؤمنين (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) أي : جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين ، منهم المؤمن الصادق في إيمانه ، لكنه اغتر بترويج المنافقين ، ومنهم المنافق. (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لما تضمن ذلك من تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها ، والتنويه بذكرها ، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلىاللهعليهوسلم. ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد ، التي ما زال العمل