[١٦] (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) أي : وهلا إذ سمعتم ـ أيها المؤمنون ـ كلام أهل الإفك. (قُلْتُمْ) منكرين لذلك ، معظمين لأمره : (ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) أي : ما ينبغي لنا ، وما يليق بنا الكلام ، بهذا الإفك المبين ، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) أي : كذب (عَظِيمٌ).
[١٧] (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) أي : لنظيره ، من رمي المؤمنين بالفجور ، فالله يعظكم ، وينصحكم عن ذلك ، ونعم المواعظ والنصائح ، من ربنا فيجب علينا مقابلتها ، بالقبول والإذعان ، والتسليم والشكر له ، على ما بيّن لنا (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ). (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) دل ذلك على أن الإيمان الصادق ، يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات.
[١٨] (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) المشتملة ، على بيان الأحكام ، والوعظ ، والزجر ، والترغيب ، والترهيب ، يوضحها لكم توضيحا جليا. (وَاللهُ عَلِيمٌ) أي : كامل العلم (حَكِيمٌ) عام الحكمة. فمن علمه وحكمته ، أن علمكم من علمه ، وإن كان ذلك ، راجعا لمصالحكم في كلّ وقت.
[١٩] (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) أي : الأمور الشنيعة المستقبحة ، فيحبون أن تشتهر الفاحشة (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : موجع للقلب والبدن ، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين ، ومحبة الشر لهم ، وجراءته على أعراضهم ، فإذا كان هذا الوعيد ، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة ، واستحلاء ذلك بالقلب ، فكيف بما هو أعظم من ذلك ، من إظهاره ، ونقله؟ وسواء كانت الفاحشة ، صادرة ، أو غير صادرة. وكلّ هذا ، من رحمة الله لعباده المؤمنين ، وصيانة أعراضهم ، كما صان دماءهم وأموالهم ، وأمرهم بما يقتضي المصافاة ، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه ، ويكره له ، ما يكره لنفسه. (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فلذلك علمكم ، وبيّن لكم ما تجهلونه.
[٢٠] (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) قد أحاط بكم من كلّ جانب (وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) لما بيّن لكم هذه الأحكام والمواعظ ، والحكم الجليلة ، ولما أمهل من خالف أمره ، ولكن فضله ورحمته ، وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي ، ما لن تحصوه ، أو تعدوه.
[٢١] ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه ، نهى عن الذنوب عموما فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي : طرقه ووساوسه. وخطوات الشيطان ، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب ، واللسان والبدن. ومن حكمته تعالى ، أن بيّن الحكم ، وهو : النّهي عن اتباع خطوات الشيطان. والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه ، من الشر المقتضى ، والداعي لتركه فقال : (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ) أي : الشيطان (يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) أي : ما تستفحشه العقول والشرائع ، من الذنوب العظيمة ، مع ميل بعض النفوس إليه. (وَالْمُنْكَرِ) وهو : ما تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان ، لا تخرج عن ذلك. فنهى الله عنها العباد ، نعمة منه عليهم ، أن يشكروه ويذكروه ، لأن ذلك ، صيانة لهم عن التدنس بالرذائل ، والقبائح. فمن إحسانه عليهم ، أن نهاهم عنها ، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها. (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) أي : ما تطهر من