اتباع خطوات الشيطان ، لأن الشيطان يسعى ، هو وجنده ، في الدعوة إليها وتحسينها ، والنفس ميالة إلى السوء ، أمارة به ، والنقص مستول على العبد ، من جميع جهاته ، والإيمان غير قوي. فلو خلّي وهذه الدواعي ، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب ، والسيئات ، والنماء بفعل الحسنات ، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء. ولكن فضله ورحمته أوجبا ، أن يتزكى منكم ، من تزكى. وكان من دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها» ولهذا قال : (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) من يعلم منه أن يتزكى بالتزكية ، ولهذا قال : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
[٢٢] (وَلا يَأْتَلِ) أي : لا يحلف (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا). كان من جملة الخائضين في الإفك «مسطح بن أثاثة» وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله. فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه ، لقوله الذي قال. فنزلت هذه الآية ، ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه ، ويحثه على العفو والصفح ، ويعده بمغفرة الله ، إن غفره له فقال : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) إذا عاملتم عبيده ، بالعفو والصفح ، عاملكم بذلك ، فقال أبو بكر ـ لما سمع هذه الآية ـ : بلى ، والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع النفقة إلى مسطح. وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب ، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان ، والحث على العفو والصفح ، ولو جرى منه ما جرى من أهل الجرائم.
[٢٣] ثمّ ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) أي : العفائف عن الفجور (الْغافِلاتِ) اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن (الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) واللعنة ، لا تكون إلّا على ذنب كبير. وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين. (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) وهذا زيادة على اللعنة ، أبعدهم عن رحمته ، وأحل بهم شدة نقمته.
[٢٤] وذلك العذاب يوم القيامة (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٤) فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته ، ينطقها الذي أنطق كلّ شيء ، فلا يمكنه الإنكار. ولقد عدل في العباد ، من جعل شهودهم من أنفسهم.
[٢٥] (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) أي : جزاءهم على أعمالهم ، الجزاء الحقّ ، الذي بالعدل والقسط ، يجدون جزاءها موفرا ، لم يفقدوا منها شيئا. (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم ، أن الله هو الحقّ المبين فيعلمون انحصار الحقّ المبين في الله تعالى. فأوصافه العظيمة حق ، وأفعاله هي الحقّ ، وعبادته هي الحقّ ، ولقاؤه حق ، ووعيده حق ، وحكمه الديني والجزائي حق ، ورسله حق ، فلا ثمّ حق ، إلّا في الله ، وما من الله.
[٢٦] (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) أي : كل خبيث من الرجال والنساء ، والكلمات والأفعال ، مناسب للخبيث ، وموافق له ، ومقترن به ، ومشاكل له ، وكلّ طيب من الرجال والنساء ، والكلمات ، والأفعال ، مناسب للطيب ، وموافق له ، ومقترن به ، ومشاكل له. فهذه كلمة عامة وحصر ، لا يخرج منه شيء ، من أعظم مفرداته ، أن الأنبياء خصوصا أولي العزم منهم ، خصوصا سيدهم محمد صلىاللهعليهوسلم ، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق ، على الإطلاق ، لا يناسبهم إلّا كلّ طيب من النساء. فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو المقصود بهذا الإفك ، من قصد المنافقين. فمجرد كونها زوجة للرسول صلىاللهعليهوسلم ، يعلم أنها لا تكون إلّا طيبة طاهرة ، من هذا الأمر القبيح. فكيف وهي ما هي؟ صدّيقة النساء ، وأفضلهن ، وأعلمهن ، وأطيبهن ، حبيبة رسول رب العالمين ، التي لم ينزل الوحي عليه ، وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها؟!! ثمّ صرح بذلك ، بحيث لا يبقى