لمبطل مقالا ، ولا لشك وشبهة مجالا فقال : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا ، وللمؤمنات المحصنات الغافلات ، تبعا لها. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تستغرق الذنوب (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) في الجنة صادر من الرب الكريم.
[٢٧] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) يرشد الباري عباده المؤمنين ، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان. فإن في ذلك عدة مفاسد : منها ما ذكره الرسول صلىاللهعليهوسلم ، حيث قال : «إنّما جعل الاستئذان من أجل البصر». فبسبب الإخلال به ، يقع البصر على العورات ، التي داخل البيوت ، فإن البيت للإنسان ، في ستر عورة ما وراءه ، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده. ومنها : أن ذلك ، يوجب الريبة من الداخل ، ويتهم بالشر ، سرقة أو غيرها ، لأن الدخول خفية ، يدل على الشر. ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) أي : تستأذنوا. سمي الاستئذان استئناسا ، لأن به يحصل الاستئناس ، وبعدمه تحصل الوحشة. (وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها). وصفة ذلك ، ما جاء في الحديث «السّلام عليكم ، أأدخل»؟ (ذلِكُمْ) أي : الاستئذان المذكور (خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) لاشتماله على عدة مصالح ، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة ، فإن أذن ، دخل المستأذن.
[٢٨] (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) أي : فلا تمتنعوا من الرجوع ، ولا تغضبوا منه. فإن صاحب المنزل ، لم يمنعكم حقا واجبا لكم ، وإنّما هو متبرع ، فإن شاء أذن ، أو منع ، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز ، من هذه الحال. (هُوَ أَزْكى لَكُمْ) أي : أشد لتطهيركم من السيئات ، وتنميتكم بالحسنات. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فيجازي كلّ عامل بعمله ، من كثرة وقلة ، وحسن ، وعدمه. هذا الحكم ، في البيوت المسكونة ، سواء كان فيها متاع للإنسان ، أم لا ، وفي البيوت غير المسكونة ، التي لا متاع فيها للإنسان.
[٢٩] وأما البيوت التي ليس فيها أهلها ، وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول إليه ، وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه ، وذلك كبيوت الكراء وغيرها ، فقد ذكرها بقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أي : حرج وإثم ، دل على أن الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة ، أنه محرم ، وفيه حرج (أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) وهذا من احترازات القرآن العجيبة ، فإن قوله : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) لفظ عام في كلّ بيت ليس ملكا للإنسان ، أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه ، وفيها متاعه ، وليس فيها ساكن ، فأسقط الحرج في الدخول إليها. (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) أحوالكم الظاهرة والخفية ، وعلم مصالحكم ، فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه وتضطرون ، من الأحكام الشرعية.
[٣٠] أي : أرشد المؤمنين ، وقل لهم ، الّذين معهم إيمان ، يمنعهم من وقوع ما يخل بالإيمان : (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات ، وإلى المردان ، الّذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة ، وإلى زينة الدنيا التي تفتن ، وتوقع في المحذور. (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) عن الوطء الحرام ، في قبل أو دبر ، أو ما دون ذلك ،