وعن التمكين من مسها ، والنظر إليها. (ذلِكَ) الحفظ للأبصار والفروج (أَزْكى لَهُمْ) أطهر ، وأطيب ، وأنمى لأعمالهم ، فإن من حفظ فرجه وبصره ، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش ، وزكت أعماله ، بسبب ترك المحرم ، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه. فمن ترك شيئا لله ، عوضه الله خيرا منه ، ومن غض بصره ، أنار الله بصيرته ، ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته ، مع دواعي الشهوة ، كان حفظه لغيره أبلغ ، ولهذا سماه الله حفظا. فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه ، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه ، لم ينحفظ. كذلك البصر والفرج ، إن لم يجتهد العبد في حفظهما ، أوقعاه في بلايا ومحن. وتأمل كيف أمر بحفظ الفرج مطلقا ، لأنه لا يباح في حالة من الأحوال وأما البصر فقال : (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) بأداة «من» الدالة على التبعيض. فإنه يجوز النظر في بعض الأحوال ، لحاجة كنظر الشاهد والعامل والخاطب ، ونحو ذلك. ثمّ ذكرهم بعلمه بأعمالهم ، ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات.
[٣١] لما أمر المؤمنين بغض الأبصار ، وحفظ الفروج ، أمر المؤمنات بذلك فقال : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) عن النظر إلى العورات والرجال ، بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع. (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) من التمكين من جماعهن ، أو مسهن ، أو النظر المحرم إليهن.
(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) كالثياب الجميلة والحلي ، وجميع البدن كله من الزينة. ولما كانت الثياب الظاهرة ، لا بد لها منها قال : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) أي : الثياب الظاهرة ، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ، ما يدعو إلى الفتنة بها. (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) وهذا لكمال الاستتار. ويدل ذلك ، على أن الزينة التي يحرم إبداؤها ، يدخل فيها جميع البدن ، كما ذكرنا. ثمّ كرر النهي عن إبداء زينتهن ، ليستثني منه قوله : (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) أي : أزواجهن (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَ) يشمل الأب بنفسه ، والجد ، وإن علا. (أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَ) أشقاء ، أو لأب ، أو لأم. (أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَ) أي : يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا. ويحتمل أن الإضافة ، تقتضي الجنسية ، أي : النساء المسلمات ، اللاتي من جنسكن. ففيه دليل لمن قال : إن المسلمة ، لا يجوز أن تنظر إليها الذمية. (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) فيجوز للمملوك ، إذا كان كله للأنثى ، أن ينظر لسيدته ، ما دامت مالكة له كله ، فإذا زال الملك أو بعضه ، لم يجز النظر. (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) أي : والّذين يتبعونكم ، ويتعلقون بكم ، من الرجال ، الّذين لا إربة لهم ، في هذه الشهوة كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك ، وكالعنّين الذي لم يبق له شهوة ، لا في فرجه ، ولا في قلبه ، فإن هذا ، لا محذور من نظره. (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) أي : الأطفال الّذين دون التمييز ، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب. وعلل تعالى ذلك ، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء ، أي : ليس لهم علم بذلك ، ولا وجدت فيهم الشهوة بعد. ودل هذا ، أن المميز تستتر منه المرأة لأنه يظهر على عورات النساء. (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ) أي : لا يضربن