الأرض بأرجلهن ، ليصوت ما عليهن من حلي ، كخلاخل وغيرها ، فتعلم زينتها بسببه ، فيكون وسيلة إلى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه ، قاعدة سد الوسائل وأن الأمر إذا كان مباحا ، ولكنه يفضي إلى محرم ، أو يخاف من وقوعه ، فإنه يمنع منه. فالضرب بالرجل في الأرض ، الأصل أنه مباح ، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة ، منع منه. ولما أمر تعالى بهذه الأوامر الحسنة ، ووصى بالوصايا المستحسنة وكان لا بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك ـ أمر الله تعالى بالتوبة فقال : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) ثمّ علق على ذلك ، الفلاح فقال : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فلا سبيل إلى الفلاح إلّا بالتوبة ، وهي الرجوع مما يكرهه الله ، ظاهرا وباطنا ، إلى : ما يحبه ظاهرا وباطنا. ودل هذا ، أن كل مؤمن ، محتاج إلى التوبة ، لأن الله خاطب المؤمنين جميعا. وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة ، في قوله : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ) أي : لا لمقصد غير وجهه ، من سلامة ، من آفات الدنيا ، أو رياء ، وسمعة ، أو نحو ذلك ، من المقاصد الفاسدة.
[٣٢] يأمر تعالى الأولياء والأسياد ، بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى وهم : من لا أزواج لهم ، من رجال ، ونساء ثيبات ، وأبكار. فيجب على القريب ، وولي اليتيم ، أن يزوج من يحتاج للزواج ، ممن تجب نفقته عليه ، وإذا كانوا مأمورين بإنكاح من تحت أيديهم ، كان أمرهم بالنكاح بأنفسهم ، من باب أولى. (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) يحتمل أن المراد بالصالحين ، صلاح الدين ، وأن الصالح من العبيد والإماء ، وهو الذي لا يكون فاجرا زانيا ، مأمور سيده بإنكاحه ، جزاء له على صلاحه ، وترغيبا له فيه. ولأن الفاسد بالزنا ، منهيّ عن تزوجه ، فيكون مؤيدا للمذكور في أول السورة ، أن نكاح الزاني والزانية ، محرم ، حتى يتوب. ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والإماء ، دون الأحرار ، لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة. ويحتمل أن المراد بالصالحين ، الصالحون للتزوج المحتاجون إليه ، من العبيد والإماء. يؤيد هذا المعنى ، أن السيد غير مأمور بتزويج مملوكه ، قبل حاجته إلى الزواج. ولا يبعد إرادة المعنيين كليهما ، والله أعلم. وقوله : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ) أي : الأزواج والمتزوجين (يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) فلا يمنعكم ما تتوهمون ، من أنه إذا تزوج ، افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه. وفيه حث على التزوج ، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر. (وَاللهُ واسِعٌ) كثير الخير عظيم الفضل (عَلِيمٌ) بمن يستحق فضله الديني والدنيوي ، أو أحدهما ، ممن لا يستحق ، فيعطي كلّا ، ما علمه واقتضاه حكمه.
[٣٣] (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) هذا حكم العاجز عن النكاح ، أمره الله أن يستعفف ، أي : أن يكف عن المحرم ، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه ، من صرف دواعي قلبه ، بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه. ويفعل أيضا ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». وقوله : (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أي : لا يقدرون نكاحا إما لفقرهم أو فقر أوليائهم وأسيادهم ، أو امتناعهم من تزويجهم ، وليس لهم قدرة على إجبارهم على ذلك. وهذا التقدير ، أحسن من تقدير من قدر «لا يجدون مهر نكاح». وجعلوا المضاف إليه نائبا مناب المضاف ، فإن في ذلك محذورين. أحدهما : الحذف في