تعاظم ، وكملت أوصافه ، وكثرت خيراته ، (الَّذِي) من أعظم خيراته ونعمه ، أن (نَزَّلَ الْفُرْقانَ) الفارق بين الحلال والحرام ، والهدى والضلال ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة. (عَلى عَبْدِهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم الذي كمل مراتب العبودية ، وفاق جميع المرسلين. (لِيَكُونَ) ذلك الإنزال للفرقان على عبده (لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) ، ينذرهم بأس الله ونقمه ، ويبين لهم ، مواقع رضا الله من سخطه ، حتى إن من قبل نذارته ، وعمل بها ، كان من الناجين في الدنيا والآخرة ، الّذين حصلت لهم السعادة الأبدية ، والملك السرمدي. فهل فوق هذه النعمة ، وهذا الفضل والإحسان ، شيء؟ فتبارك الذي هذا بعض إحسانه وبركاته.
[٢] (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له التصرف فيهما وحده ، وجميع من فيهما ، مماليك وعبيد له ، مذعنون لعظمته ، خاضعون لربوبيته ، فقراء إلى رحمته ، الذي (لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ). وكيف يكون له ولد ، أو شريك ، وهو المالك ، وغيره مملوك ، وهو القاهر ، وغيره مقهور ، وهو الغني بذاته ، من جميع الوجوه ، والمخلوقون ، مفتقرون إليه ، فقراء من جميع الوجوه؟ وكيف يكون له شريك في الملك ، ونواصي العباد كلهم بيديه ، فلا يتحركون أو يسكنون ، ولا يتصرفون ، إلا بإذنه ، فتعالى الله عن ذلك ، علوا كبيرا ، فلم يقدره حق قدره ، من قال فيه ذلك ، ولهذا قال : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) شمل العالم العلوي ، والعالم السفلي ، من حيواناته ، ونباتاته ، وجماداته. (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) أي : أعطى كل مخلوق منها ، ما يليق به ، ويناسبه من الخلق ، وما تقتضيه حكمته ، من ذلك ، بحيث صار كل مخلوق ، لا يتصور العقل الصحيح ، أن يكون بخلاف شكله ، وصورته المشاهدة ، بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد ، لا يناسبه غير محله ، الذي هو فيه. قال تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣) ، وقال تعالى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).
[٣] ولما بين كماله وعظمته ، وكثرة إحسانه ، كان ذلك مقتضيا لأن يكون وحده ، المحبوب المألوه ، المعظم ، المفرد بالإخلاص وحده ، لا شريك له ـ ناسب أن يذكر بطلان عبادة ما سواه فقال : (وَاتَّخَذُوا) إلى قوله : (وَلا نُشُوراً). أي : من أعجب العجائب ، وأول الدليل على سفههم ، ونقص عقولهم ، بل أدل على ظلمهم ، وجراءتهم على ربهم ، أن اتخذوا آلهة بهذه الصفة وبلغ من عجزها ، أنها لا تقدر على خلق شيء ، بل هم مخلوقون ، بل بعضهم مما عملته أيديهم. (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) أي : لا قليلا ولا كثيرا ، لأنه نكرة في سياق النفي فتعم. (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) أي : بعثا بعد الموت ، فأعظم أحكام العقل ، بطلان إلهيتها ، وفسادها ، وفساد عقل من اتخذها آلهة ، وشركاء للخالق لسائر المخلوقات ، من غير مشاركة له ، في ذلك الذي بيده النفع والضر ، والعطاء والمنع ، الذي يحيي ويميت ، ويبعث من في القبور ، ويجمعهم يوم النشور ، وقد جعل لهم دارين ، دار الشقاء ، والخزي ، والنكال ، لمن اتخذ معه آلهة أخرى ، ودار الفوز والسعادة ، والنعيم المقيم ، لمن اتخذه وحده ، معبودا.
[٤] ولما قرر بالدليل القاطع الواضح ، صحة التوحيد وبطلان ضده ، قرر صحة الرسالة ، وبطلان قول من