الإلهية ، والمقاصد الشرعية ، بحيث لا يبقى عند الناظر فيه ، شك ولا شبهة فيما أخبر به ، أو حكم به ، لوضوحه ، ودلالته على أشرف المعاني ، وارتباط الأحكام بحكمها ، وتعليقها بمناسبها. فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ينذر به الناس ، ويهدي به الصراط المستقيم. فيهتدي بذلك عباد الله المتقون ، ويعرض عنه من كتب عليه الشقاء ، فكان يحزن حزنا شديدا ، على عدم إيمانهم ، حرصا منه على الخير ، ونصحا لهم.
[٣] فلهذا قال تعالى لنبيه : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) أي : مهلكها وشاقا عليها ، (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي : فلا تفعل ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الهداية بيد الله ، وقد أديت ما عليك من التبليغ ، وليس فوق هذا القرآن المبين ، آية ، حتى ننزلها ، ليؤمنوا بها ، فإنه كاف شاف ، لمن يريد الهداية ، ولهذا قال :
[٤] (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) أي : من آيات الاقتراح ، (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ) أي : أعناق المكذبين (لَها خاضِعِينَ) ولكن لا حاجة إلى ذلك ، ولا مصلحة فيه ، فإنه إذ ذاك الوقت ، يكون الإيمان غير نافع. وإنّما الإيمان النافع ، هو الإيمان بالغيب ، كما قال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) الآية.
[٥] (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) يأمرهم وينهاهم ، ويذكرهم ما ينفعهم ويضرهم. (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) بقلوبهم وأبدانهم. هذا إعراضهم عن الذكر المحدث ، الذي جرت العادة ، أنه يكون موقعه ، أبلغ من غيره ، فكيف بإعراضهم عن غيره. وهذا ، لأنهم لا خير فيهم ، ولا تنجع فيهم المواعظ.
[٦] ولهذا قال : (فَقَدْ كَذَّبُوا) أي : بالحق ، وصار التكذيب لهم سجية ، لا تتغير ولا تتبدل ، (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : سيقع بهم العذاب ، ويحل بهم ، ما كذبوا به ، فإنهم قد حقت عليهم ، كلمة العذاب.
[٧] قال الله منبها على التفكر ، الذي ينفع صاحبه : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (٧) من جميع أصناف النباتات ، حسنة المنظر ، كريمة في نفعها.
[٨] (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) على إحياء الله الموتى بعد موتهم ، كما أحيا الأرض بعد موتها (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) كما قال تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (١٠٣).
[٩] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي قد قهر كل مخلوق ، ودان له العالم العلوي والسفلي ، (الرَّحِيمُ) ، الذي وسعت رحمته كل شيء ، ووصل جوده إلى كل حي ، العزيز الذي أهلك الأشقياء بأنواع العقوبات ، الرحيم بالسعداء ، حيث أنجاهم من كل شر وبلاء.
[١٠] أعاد الباري تعالى ، قصة موسى وثناها في القرآن ، ما لم يثن غيرها ، لكونها مشتملة على حكم عظيمة ، وعبر ، وفيها نبأه مع الظالمين ، والمؤمنين. وهو صاحب الشريعة الكبرى ، وصاحب التوراة ، أفضل الكتب بعد القرآن فقال : واذكر حالة موسى الفاضلة ، وقت نداء الله إياه ، حين كلمه ، ونبأه وأرسله فقال : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ