وخير الأعمال ، وأزكى الأخلاق. آيات تدل على الأخبار الصادقة ، والأوامر الحسنة ، والنهي عن كل عمل وخيم ، وخلق ذميم. آيات بلغت في وضوحها وبيانها البصائر النيرة ، مبلغ الشمس للأبصار. آيات دلت على الإيمان ، ودعت للوصول إلى الإيمان ، وأخبرت عن الغيوب الماضية والمستقبلة ، طبق ما كان ويكون. آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم ، بأسمائه الحسنى ، وصفاته العليا ، وأفعاله الكاملة. آيات عرفتنا برسله وأوليائه ، ووصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا. ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين ، ولم يهتد بها جميع المعاندين ، صونا لها ، عن من لا خير فيه ولا صلاح ، ولا زكاء في قلبه. وإنّما اهتدى بها ، من خصهم الله بالإيمان ، واستنارت بذلك قلوبهم ، وصفت سرائرهم.
[٢] فلهذا قال : (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢) أي : تهديهم إلى سلوك الصراط المستقيم ، وتبين لهم ، ما ينبغي أن يسلكوه أو يتركوه ، وتبشرهم بثواب الله ، المرتب على الهداية لهذا الطريق. ربما قيل : لعله يكثر مدعو الإيمان فهل يقبل من كل أحد ادّعى أنه مؤمن ذلك؟ أم لا بد لذلك من دليل؟ وهو الحقّ ، فلذلك بيّن تعالى صفة المؤمنين فقال :
[٣] (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) فرضها ، ونفلها ، فيأتون بأفعالها الظاهرة ، من أركانها ، وشروطها ، وواجباتها ، ومستحباتها. وأفعالها الباطنة ، وهو : الخشوع الذي روحها ولبها ، باستحضار قرب الله ، وتدبر ما يقول المصلي ويفعله. (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) المفروضة لمستحقيها (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) أي : قد بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين ، وهو : العلم التام ، والواصل إلى القلب ، الداعي إلى العمل. ويقينهم بالآخرة ، يقتضي كمال سعيهم لها ، وحذرهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب ، وهذا أصل كل خير.
[٤] (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ويكذبون بها ، ويكذبون من جاء بإثباتها. (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) حائرين مترددين ، مؤثرين سخط الله على رضاه ، قد انقلبت عليهم الحقائق ، فرأوا الباطل حقا ، والحقّ باطلا.
[٥] (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) أي : أشده ، وأسوأه ، وأعظمه ، (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) حصر الخسار فيهم ، بكونهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، وخسروا الإيمان الذي دعتهم إليه الرسل.
[٦] (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (٦) أي : وإن هذا القرآن الذي ينزل عليك ، وتتلقنه ، ينزل من عند حكيم يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها. عليم بأسرار الأحوال ، وبواطنها كظواهرها. وإذا كان من عند (حَكِيمٍ عَلِيمٍ) علم أنه كله حكمة ومصالح للعباد ، من الذي هو أعلم بمصالحهم منهم؟
[٧] (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً) إلى آخر قصته ، يعني : اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من أحوال موسى ابن عمران ، وابتداء الوحي إليه واصطفاءه برسالته ، وتكليم الله إياه. وذلك أنه لما مكث في مدين عدة سنين ، وسار بأهله من مدين ، متوجها إلى مصر ، فلما كان في أثناء الطريق ، ضل ، وكان في ليلة مظلمة باردة ، فقال لهم : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي : أبصرت نارا من بعيد (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن الطريق. (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أي : تستدفئون ، وهذا دليل على أنه تائه ، ومشتد برده ، هو وأهله.