الإخبار عن أحوال المكذبين بالإخبار كأنهم لا يدرون متى وقت الآخرة ، ثم الإخبار بضعف علمهم فيها ، ثم الإخبار بأنه شك ، ثم الإخبار بأنهم عمي ، ثم الإخبار بإنكارهم لذلك ، واستبعادهم وقوعه. أي : وبسبب هذه الأحوال ترحّل خوف الآخرة من قلوبهم ، فأقدموا على معاصي الله ، وسهل عليهم تكذيب الحق ، والتصديق بالباطل ، واستحلوا الشهوات على القيام بالعبادات ، فخسروا دنياهم وأخراهم.
[٦٩] نبههم على صدق ما أخبرت به الرسل فقال : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (٦٩) فلا تجدون مجرما قد استمر على إجرامه. إلا وعاقبته شرّ عاقبة ، وقد أحل الله به من الشر والعقوبة ، ما يليق بحاله.
[٧٠] أي : لا تحزن يا محمد ، على هؤلاء المكذبين ، وعدم إيمانهم. فإنك لو علمت ما فيهم من الشر ، وأنهم لا يصلحون للخير ، لم تأس ولم تحزن ، ولا يضق صدرك ، ولا تقلق نفسك بمكرهم ، فإن مكرهم ستعود عاقبته عليهم. (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ). ويقول المكذبون بالمعاد ، وبالحق الذي جاء به الرسول ، مستعجلين للعذاب :
[٧١] (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وهذا من سفاهة رأيهم وجهلهم ، فإن وقوعه ووقته ، قد أجله الله بأجله ، وقدره بقدره ، فلا يدل عدم استعجاله ، على بعض مطلوبهم.
[٧٢] ولكن ـ مع هذا ـ قال تعالى ، محذرا لهم وقوع ما يستعجلون : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) أي : قرب منكم ، وأوشك أن يقع بكم (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) من العذاب.
[٧٣] ينبه عباده ، على سعة جوده ، وكثرة أفضاله ، ويحثهم على شكرها ، ومع هذا فأكثر الناس قد أعرضوا عن الشكر ، واشتغلوا بالنعم عن المنعم.
[٧٤] (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُ) أي : تنطوي عليه (صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) ، فليحذروا من عالم السرائر والظواهر ، وليراقبوه.
[٧٥] (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي : خفية ، وسر من أسرار العالم ، العلوي والسفلي. (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) قد أحاط ذلك الكتاب ، بجميع ما كان ويكون إلى أن تقوم الساعة. فكل حادث جليّ أو خفيّ إلا وهو مطابق ، لما كتب في اللوح المحفوظ.
[٧٦] وهذا خبر عن هيمنة القرآن ، على الكتب السابقة ، وتفصيله ، وتوضيحه : لما كان فيها قد وقع فيه اشتباه واختلاف عند بني إسرائيل ، قصّه هذا القرآن قصا ، زال به الإشكال واستبان به الصواب من المسائل المختلف فيها. وإذا كان بهذه المثابة ، من الجلالة والوضوح ، وإزالة كل خلاف ، وفصل كل مشكل ، كان أعظم نعم الله على العباد ، ولكن ما كل أحد ، يقابل النعمة بالشكر. ولهذا بيّن أن نفعه ، ونوره ، وهداه ، مختص بالمؤمنين فقال :
[٧٧] (وَإِنَّهُ لَهُدىً) من الضلالة والغيّ والشّبه (وَرَحْمَةٌ) تثلج له صدورهم ، وتستقيم به أمورهم الدينية والدنيوية (لِلْمُؤْمِنِينَ) به المصدقين له ، المتلقين له بالقبول ، المقبلين على تدبره ، المتفكرين في معانيه. فهؤلاء ، تحصل