كان إنّما يؤيدني ، وينصرني ، وييسر لي الأمور ، فلتكفكم هذه الشهادة الجليلة من الله. فإن وقع في قلوبكم أن شهادته ـ وأنتم لم تسمعوه ، ولم تروه ـ لا تكفي دليلا ، فإنه (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). ومن جملة معلوماته حالي وحالكم ، ومقالي لكم. فلم كنت متقولا عليه ، مع علمه بذلك ، وقدرته على عقوبتي ـ لكان قدحا ، في علمه ، وقدرته ، وحكمته كما قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٤٦). (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) حيث خسروا الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وحيث فاتهم النعيم المقيم ، وحيث حصل لهم في مقابلة الحقّ الصحيح ، كل باطل قبيح ، وفي مقابلة النعيم ، كل عذاب أليم ، فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
[٥٣] يخبر تعالى ، عن جهل المكذبين للرسول ، وما جاء به ، وأنهم يقولون ـ استعجالا للعذاب ، وزيادة تكذيب : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)؟ يقول تعالى : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) مضروب لنزوله ، ولم يأت بعد (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) بسبب تعجيزهم لنا ، وتكذيبهم الحقّ ، فلو آخذناهم بجهلهم ، لكان كلامهم ، أسرع لبلائهم وعقوبتهم. ولكن ـ مع ذلك ـ فلا يستبطئوا نزوله (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ). فوقع كما أخبر الله تعالى ، لما قدموا ل «بدر» بطرين مفاخرين ، ظانين أنهم قادرون على مقصودهم. فأذلهم الله ، وقتل كبارهم ، واستوعب جملة أشرارهم ، ولم يبق فيهم بيت ، إلا أصابته تلك المصيبة. فأتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا ، ونزل بهم ، وهم لا يشعرون. هذا ، وإن لم ينزل عليهم العذاب الدنيوي ، فإن أمامهم العذاب الأخروي ، الذي لا يخلص منهم أحد منه ، سواء عوجل بعذاب الدنيا ، أو أمهل.
[٥٤] (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) ليس لهم عنها ، معدل ولا منصرف. وقد أحاطت بهم من كلّ جانب ، كما أحاطت بهم ذنوبهم ، وسيئاتهم ، وكفرهم. وذلك العذاب ، هو العذاب الشديد.
[٥٥] (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٥) فإن أعمالكم انقلبت عليكم عذابا ، وشملكم العذاب ، كما شملكم الكفر والذنوب.
[٥٦ ـ ٥٧] يقول تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) وصدقوا رسولي (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) فإذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في أرض ، فارتحلوا منها إلى أرض أخرى ، حيث كانت العبادة لله وحده. فأماكن العبادة ، ومواضعها ، واسعة ، والمعبود واحد ، والموت لا بد أن ينزل بكم ثمّ ترجعون إلى ربكم ، فيجازى من أحسن عبادته وجمع بين الإيمان والعمل الصالح بإنزاله الغرف العالية ، والمنازل الأنيقة الجامعة لما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وأنتم فيها خالدون.
[٥٨ ـ ٥٩] ف (نِعْمَ) تلك المنازل ، في جنات النعيم (أَجْرُ الْعامِلِينَ) الله. (الَّذِينَ صَبَرُوا) على عبادة الله (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) في ذلك. فصبرهم على عباده الله ، يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك ، والمحاربة العظيمة للشيطان ، الذي يدعوهم إلى الإخلال بشيء من ذلك. وتوكلهم ، يقتضي شدة اعتمادهم على الله ، وحسن ظنهم