يَعْبُدُونَ) ، والتعنوا ، وابتعدوا. وفي ذلك اليوم يفترق أهل الخير والشر ، كما افترقت أعمالهم في الدنيا.
[١٥] (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وآمنوا بقلوبهم ، وصدقوا ذلك بالأعمال الصالحة (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ) فيها سائر أنواع النبات وأصناف المشتهيات. (يُحْبَرُونَ) أي : يسرون ، وينعمون بالمآكل اللذيذة ، والأشربة ، والحور الحسان ، والخدم ، والولدان ، والأصوات المطربات ، والسماع المبهج ، والمناظر العجيبة ، والروائح الطيبة ، والفرح والسرور واللذة والحبور ، مما لا يقدر أحد أن يصفه.
[١٦] (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) وجحدوا نعمه ، وقابلوها بالكفر (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الّتي جاءتهم بها رسلنا (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) فيه. قد أحاطت بهم جهنم من جميع جهاتهم ، واطّلع العذاب الأليم على أفئدتهم ، وشوى الحميم وجوههم ، وقطع أمعاءهم. فأين الفرق بين الفريقين ، وأين التساوي بين المنعمين والمعذبين؟
[١٧ ـ ١٨] هذا إخبار عن تنزهه عن السوء والنقص ، وتقدسه عن أن يماثله أحد من الخلق ، وأمر للعباد أن يسبحوه ، حين يمسون ، وحين يصبحون ، ووقت العشي ، ووقت الظهيرة. فهذه الأوقات الخمسة ، أوقات الصلوات الخمس ، أمر الله عباده بالتسبيح فيها والحمد. ويدخل في ذلك ، الواجب منه ، كالمشتملة عليه الصلوات الخمس. والمستحب كأذكار الصباح والمساء ، وأدبار الصلوات ، وما يقترن بها من النوافل ؛ لأن هذه الأوقات الّتي اختارها الله لأوقات المفروضات ، هي أفضل الأوقات. فالتسبيح والتحميد فيها ، والعبادة فيها ، أفضل من غيرها ، بل العبادة ، وإن لم تشتمل على قوله : «سبحان الله» فإن الإخلاص فيها ، تنزيه لله بالفعل ، أن يكون له شريك في العبادة ، أو أن يستحق أحد من الخلق ، ما يستحقه من الإخلاص والإنابة.
[١٩] (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كما يخرج النبات من الأرض الميتة ، والسنبلة من الحبة ، والشجرة من النواة ، والفرخ من البيضة ، والمؤمن من الكافر ، ونحو ذلك. (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) بعكس المذكور (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها). فينزل عليها المطر ، وهي ميتة هامدة ، فإذا أنزل عليها الماء ، اهتزت ، وربت ، وأنبتت من كلّ زوج بهيج (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) من قبوركم. فهذا دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، أن الذي أحيا الأرض بعد موتها ، يحيي الأموات. فلا فرق في نظر العقل بين الأمرين ، ولا موجب لاستبعاد أحدهما مع مشاهدة الآخر.
[٢٠] هذا شروع في تعداد آياته الدالة على انفراده بالإلهية ، وكمال عظمته ، ونفوذ مشيئته ، وقوة اقتداره ، وجميل صنعه ، وسعة رحمته وإحسانه فقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) وذلك بخلق أصل النسل ، آدم عليهالسلام (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) وبثكم في أقطار الأرض وأرجائها. ففي ذلك آيات على أن الذي أنشأكم من هذا الأصل ، وبثكم في أقطار الأرض ، هو الرب المعبود ، الملك المحمود ، والرحيم الودود ، الذي سيعيدكم بالبعث بعد الموت.
[٢١] (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على رحمته ، وعنايته بعباده ، وحكمته العظيمة ، وعلمه المحيط. (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ