في الدنيا. فهذا خلقهم القبيح ، والعبد يبعث على ما مات عليه.
[٥٦] (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) أي : منّ الله عليهم بهما ، وصار وصفا لهم ، العلم بالحق ، والإيمان المستلزم إيثار الحقّ. وإذا كانوا عالمين بالحق ، مؤثرين له ، لزم أن يكون قولهم مطابقا للواقع ، مناسبا لأحوالهم. فلهذا قالوا الحقّ : (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) أي : في قضائه وقدره ، الذي كتبه الله عليكم ، وفي حكمه (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) أي : عمرا ، يتذكر فيه المتذكر ، ويتدبر فيه المتدبر ، ويعتبر فيه المعتبر ، حتى صار البعث ، ووصلتم إلى هذه الحال. (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فلذلك أنكرتموه في الدنيا ، وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا ، تتمكنون فيه من الإنابة والتوبة. فلم يزل الجهل شعاركم ، وآثاره من التكذيب والخسار دثاركم.
[٥٧] (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) فإن كذبوا ، وزعموا أنهم ما قامت عليهم الحجة ، أو ما تمكنوا من الإيمان ، ظهر كذبهم ، بشهادة أهل العلم والإيمان ، وشهادة جلدهم ، وأيديهم ، وأرجلهم. وإن طلبوا الإعذار وأن يردّوا فلا يعودوا لما نهوا عنه ، لم يمكّنوا ، فإنه فات وقت الإعذار ، فلا تقبل معذرتهم. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي : لا يزال عتبهم ، والعتاب عنهم.
[٥٨] أي : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا) لأجل عنايتنا ، ورحمتنا ، ولطفنا ، وحسن تعليمنا. (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) تتضح به الحقائق ، وتعرف به الأمور ، وتنقطع به الحجة. وهذا عام في الأمثال ، الّتي يضربها الله ، في تقريب الأمور المعقولة بالمحسوسة. وفي الإخبار ، بما سيكون ، وجلاء حقيقته ، حتى كأنه وقع. ومنه في هذا الموضع ، ذكر الله تعالى ، ما يكون يوم القيامة وحالة المجرمين فيه وشدة أسفهم ، وأنه لا يقبل منهم عذر ولا عتاب. ولكن أبى الظالمون الكافرون ، إلا معاندة الحقّ الواضح ، ولهذا قال : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) أي : أي آية ، تدل على صحة ما جئت به (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي : قالوا للحق : إنه باطل. وهذا من كفرهم وجراءتهم ، وطبع الله على قلوبهم ، وجهلهم المفرط ، ولهذا قال :
[٥٩] (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٥٩) فلا يدخلها خير ، ولا تدرك الأشياء على حقيقتها ، بل ترى الحقّ باطلا ، والباطل حقا.
[٦٠] (فَاصْبِرْ) على ما أمرت به ، وعلى دعوتهم إلى الله. ولو رأيت منهم إعراضا ، فلا يصدنك ذلك. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي : لا شك فيه ، وهذا مما يعين على الصبر ، فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع ، بل سيجده كاملا ، هان عليه ما يلقاه من المكاره ، وتيسر عليه كلّ عسير ، واستقل من عمله كلّ كثير. (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) أي : قد ضعف إيمانهم ، وقلّ يقينهم ، فخفت لذلك أحلامهم ، وقلّ صبرهم. فإيّاك أن يستخفك هؤلاء ، فإنك إن تجعلهم منك على بال ، وتحذر منهم ، وإلا استخفوك ، وحملوك على عدم الثبات ، على الأوامر والنواهي. والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة. وهذا مما يدل على أن كلّ مؤمن موقن ، رزين