[٤٩ ـ ٥٠] (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) (٤٩) أي : آيسين قانطين ، لتأخر وقت مجيئه. أي : فلما نزل في تلك الحال ، صار له موقع عظيم عندهم ، وفرح واستبشار. (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) فاهتزت وربت ، وأنبتت من كلّ زوج كريم. (إِنَّ ذلِكَ) الذي أحيا الأرض بعد موتها (لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فقدرته تعالى ، لا يتعاصى عليها شيء ، وإن تعاصى على قدر خلقه ، ودق عن أفهامهم ، وحارت فيه عقولهم.
[٥١] يخبر تعالى عن حالة الخلق ، وأنهم مع هذه النّعم عليهم بإحياء الأرض بعد موتها ، ونشر رحمة الله تعالى ، لو أرسلنا على هذا النبات الناشئ عن المطر ، وعلى زروعهم ، ريحا مضرة متلفة أو منقصة. (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) قد تداعى إلى التلف (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ). فينسون النعم الماضية ، ويبادرون إلى الكفر.
[٥٢] وهؤلاء ، لا ينفع فيهم وعظ ولا زجر (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) بالأولى (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) فإن الموانع قد توفرت فيهم عن الانقياد والسماع النافع كتوفر هذه الموانع المذكورة ، عن سماع الصوت الحسي.
[٥٣] (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) لأنهم لا يقبلون الإبصار بسبب عماهم فليس فيهم قابلية له. (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) فهؤلاء الّذين ينفع فيهم إسماع الهدى ، المؤمنون بآياتنا بقلوبهم ، المنقادون لأوامرنا ، المسلمون لنا ؛ لأن معهم الداعي القوي لقبول النصائح والمواعظ ، وهو استعدادهم للإيمان بكل آية من آيات الله ، واستعدادهم لتنفيذ ما يقدرون عليه من أوامر الله.
[٥٤] يخبر تعالى ، عن سعة علمه ، وعظيم اقتداره ، وكمال حكمته ، أنه ابتدأ خلق الآدميين من ضعف ، وهو الأطوار الأولى من خلقه ، من نطفة إلى علقة ، إلى مضغة إلى أن صار حيوانا في الأرحام ، إلى أن ولد ، وهو في سن الطفولة ، وهو إذ ذلك في غاية الضعف ، وعدم القوة والقدرة. ثمّ ما زال الله يزيد في قوته ، شيئا فشيئا ، حتى بلغ الشباب ، واستوت قوته ، وكملت قواه الظاهرة والباطنة. ثمّ انتقل من هذا الطور ، ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم. (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) بحسب حكمته. ومن حكمته ، أن يرى العبد ضعفه ، وأن قوته محفوفة بضعفين ، وأنه ليس له من نفسه ، إلا النقص. ولو لا تقوية الله له ، لما وصل إلى قوة وقدرة ، ولو استمرت قوته في الزيادة ، لطغا ، وبغى ، وعتا. وليعلم العباد ، كمال قدرة الله ، الّتي لا تزال مستمرة ، يخلق بها الأشياء ، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ، ولا ضعف ، ولا نقص ، بوجه من الوجوه.
[٥٥] يخبر تعالى عن يوم القيامة ، وسرعة مجيئه ، وأنه إذا قامت الساعة (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) بالله أنهم (ما لَبِثُوا) في الدنيا (غَيْرَ ساعَةٍ). وذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر ، واستقصار لمدة الدنيا. ولما كان قولهم كذبا لا حقيقة له ، قال تعالى : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أي : ما زالوا ـ وهم في الدنيا ـ يؤفكون عن الحقائق ، ويأتفكون الكذب. ففي الدنيا ، كذّبوا الحقّ الذي جاء به المرسلون. وفي الآخرة ، أنكروا الأمر المحسوس ، وهو اللبث الطويل