يبق إلا جزاء العمال. (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) أي : يتفرقون عن ذلك اليوم ، ويصدرون أشتاتا متفاوتين ، ليروا أعمالهم.
[٤٤] (مَنْ كَفَرَ) منهم (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) ويعاقب هو بنفسه ، لا تزر وازرة وزر أخرى. (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً) من الحقوق ، الّتي لله ، والّتي للعباد ، الواجبة والمستحبة. (فَلِأَنْفُسِهِمْ) لا لغيرهم (يَمْهَدُونَ) أي : يهيئون ، ولأنفسهم يعمرون آخرتهم ، ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها. ومع ذلك ، جزاؤهم ليس مقصورا على أعمالهم ، بل يجزيهم الله من فضله الممدود ، وكرمه غير المحدود ، ما لا تبلغه أعمالهم. وذلك لأنه أحبهم ، وإذا أحب الله عبدا ، صبّ عليه الإحسان صبا ، وأجزل له العطايا الفاخرة ، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة.
[٤٥] وهذا بخلاف الكافرين ، فإن الله لما أبغضهم ومقتهم ، عاقبهم وعذبهم ، ولم يزدهم كما زاد من قبلهم ، فلهذا قال : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ).
[٤٦] (وَمِنْ آياتِهِ) أي : ومن الأدلة الدالة على رحمته وبعثه الموتى ، وأنه الإله المعبود ، والملك المحمود. (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ) أمام المطر (مُبَشِّراتٍ) بإثارتها للسحاب ، ثمّ جمعها ، فتستبشر بذلك النفوس قبل نزوله. (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) فينزل عليكم مطرا ، تحيا به البلاد والعباد ، وتذوقون من رحمته ما تعرفون أن رحمته ، هي المنقذة للعباد الجالبة لأرزاقهم. فتشتاقون إلى الإكثار من الأعمال الصالحة ، الفاتحة لخزائن الرحمة. (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) في البحر (بِأَمْرِهِ) القدري (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بالتصرف في معايشكم ومصالحكم. (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) من سخر لكم الأسباب ، وسير لكم الأمور. فهذا المقصود من النعم ، أن تقابل بشكر الله تعالى ، ليزيدكم الله منها ، ويبقيها عليكم. وأما مقابلة النعم بالكفر والمعاصي ، فهذه حال من بدّل نعمة الله كفرا ، ومنحته محنة ، وهو معرض لها للزوال ، والانتقال منه إلى غيره.
[٤٧] أي : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) في الأمم السالفين (رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) حين جحدوا توحيد الله ، وكذّبوا بالحق ، فجاءتهم رسلهم يدعونهم إلى التوحيد والإخلاص ، والتصديق بالحق ، وبطلان ما هم عليه ، من الكفر والضلال. وجاؤوهم بالبينات والأدلة على ذلك ، فلم يؤمنوا ، ولم يزولوا عن غيهم. (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) ونصرنا المؤمنين ، أتباع الرسل. (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) أي : أوجبنا ذلك على أنفسنا ، وجعلناه من جملة الحقوق المتعينة ووعدنا به ، فلا بد من وقوعه. فأنتم أيها المكذبون لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، إن بقيتم على تكذيبكم ، حلّت بكم العقوبة ، ونصرناه عليكم.
[٤٨] يخبر تعالى عن كمال قدرته ، وتمام نعمته ، أنه (يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) من الأرض. (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ) أي : يمده ويوسعه (كَيْفَ يَشاءُ) أي : على أي حالة أرادها من ذلك. (وَيَجْعَلُهُ) أي : ذلك السحاب الواسع (كِسَفاً) أي : سحابا ثخينا ، قد طبق بعضه فوق بعض. (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي : السحاب ، نقطا صغارا متفرقة ، لا تنزل جميعا ، فتفسد ما أتت عليه. (فَإِذا أَصابَ بِهِ) بذلك المطر (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يبشر بعضهم بعضا بنزوله ، وذلك لشدة حاجتهم ، واضطرارهم إليه ، فلهذا قال :