(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) أي : ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم ، وقصدكم بذلك أن يربو أي : يزيد في أموالكم ، بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها ، فهذا العمل ، لا يربو أجره عند الله ، لكونه معدوم الشرط ، الذي هو الإخلاص. ومثل ذلك العمل ، الذي يراد به الزيادة ، في الجاه والرياء عند الناس ، فهذا كله لا يربو عند الله. (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) أي : مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة ، ويطهر أموالكم من البخل بها ، ويزيد في دفع حاجة المعطى. (تُرِيدُونَ) بذلك (وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أي : المضاعف لهم الأجر ، الذي تربو نفقاتهم عند الله ، ويربيها الله لهم ، حتى تكون شيئا كثيرا. ودلّ قوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق ، أو مع دين عليه ، لم يقضه ، ويقدم عليه الصدقة ، أن ذلك ليس بزكاة ، يؤجر عليه العبد ، ويرد تصرفه شرعا ، كما قال تعالى في الذي يمدح : (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) (١٨). فليس مجرّد إيتاء المال خيرا ، حتى يكون بهذه الصفة ، وهو : أن يكون على وجه ، يتزكى به صاحبه.
[٤٠] يخبر تعالى أنه وحده ، المنفرد بخلقكم ورزقكم ، وإماتتكم وإحيائكم ، وأنه ليس أحد من الشركاء ، الّتي يدعوها المشركون ، من يشارك الله في شيء من هذه الأشياء. فكيف يشركون ، بمن انفرد بهذه الأمور ، من ليس له تصرف فيها ، بوجه من الوجوه؟ فسبحانه وتعالى ، وتقدس ، وتنزه ، وعلا عن شركهم. فلا يضره ذلك ، وإنّما وباله عليهم.
[٤١] أي : استعلن الفساد في البر والبحر ، أي : فساد معايشهم ونقصها ، وحلول الآفات بها. وفي أنفسهم من الأمراض والوباء ، وغير ذلك. وذلك بسبب ما قدمت أيديهم ، من الأعمال الفاسدة ، المفسدة ، بطبعها. هذه المذكورة (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي : ليعلموا أنه المجازي على الأعمال ، فعجل لهم نموذجا ، من جزاء أعمالهم في الدنيا. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن أعمالهم ، الّتي أثرت لهم من الفساد ما أثرت. فتصلح أحوالهم ، ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه ، وتفضل بعقوبته ، وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ، ما ترك على ظهرها من دابة.
[٤٢] والأمر بالسير في الأرض ، يدخل فيه السير بالأبدان ، والسير في القلوب ، للنظر والتأمل ، بعواقب المتقدمين. (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) تجدون عاقبتهم شر العواقب ، ومآلهم شر مآل. عذاب استأصلهم ، وذم ولعن من خلق الله يتبعهم ، وخزي متواصل. فاحذروا أن تفعلوا أفعالهم ، لئلا يحذى بكم حذوهم ، فإن عدل الله وحكمته في كلّ زمان ومكان.
[٤٣] أي : أقبل بقلبك ، وتوجه بوجهك ، واسع ببدنك ، لإقامة الدين القيّم المستقيم. فنفذ أوامره ونواهيه ، بجد واجتهاد ، وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة. وبادر زمانك ، وحياتك ، وشبابك ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) وهو يوم القيامة ، الذي إذا جاء ، لا يمكن رده ، ولا يرجأ العاملون ليستأنفوا العمل ، بل فرغ من الأعمال ، لم