(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) أي : مشقة على مشقة ، فلا تزال تلاقي المشاق ، من حين يكون نطفة ، من الوحم ، والمرض ، والضعف ، والثقل ، وتغير الحال ، وثمّ وجع الولادة ، ذلك الوجع الشديد. (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ، ورضاعها. أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد ، مع شدة الحب ، أن يؤكد على ولده ، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه؟
[١٥] (وَإِنْ جاهَداكَ) أي : اجتهد والداك (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما ، لأن حق الله ، مقدم على حق كل أحد ، و «لا طاعة لمخلوق ، في معصية الخالق». ولم يقل «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما». بل قال : (فَلا تُطِعْهُما) أي : في الشرك ، وأما برهما ، فاستمر عليه. ولهذا قال : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) أي : صحبة إحسان إليهما بالمعروف. وأما اتباعهما ، وهما بحالة الكفر والمعاصي ، فلا تتبعهما. (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) وهم المؤمنون بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، المستسلمون لربهم ، المنيبون إليه. واتباع سبيلهم ، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى الله ، الّتي هي انجذاب دواعي القلب وإرادته ، إلى الله ، ثمّ يتبعها سعي البدن ، فيما يرضي الله ، ويقرب منه. (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) الطائع والعاصي ، والمنيب ، وغيره (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، فأجازيك على إيمانك ، وأجازيهما على كفرهما ، ثمّ أجازي كلا منكم بما صدر عنه من الخير والشر. فلا يخفى على الله من أعمالهم خافية.
[١٦] (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) الّتي هي أصغر الأشياء وأحقرها. (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) أي : في وسطها (أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ) في أي : جهة من جهاتهما (يَأْتِ بِهَا اللهُ) سعة علمه ، وتمام خبرته وكمال قدرته. ولهذا قال : (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) أي : لطف في علمه وخبرته ، حتى اطلع على البواطن والأسرار ، وخفايا القفار والبحار. والمقصود من هذا ، الحث على مراقبة الله ، والعمل بطاعته ، مهما أمكن ، والترهيب من عمل القبيح ، قلّ أو كثر.
[١٧] (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) حثه عليها ، وخصها لأنها أكبر العبادات البدنية. (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وذلك يستلزم العلم بالمعروف ، ليأمر به ، والعلم بالمنكر ، لينهى عنه. والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر إلا به ، من الرفق ، والصبر ، وقد صرّح به في قوله : (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) ومن كونه فاعلا لما يأمر به ، كافا لما ينهى عنه ، فتضمن هذا تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر ، وتكميل غيره بذلك ، بأمره ونهيه. ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس ، أمره بالصبر على ذلك فقال (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ) الذي وعظ به لقمان ابنه (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي : من الأمور الّتي يعزم عليها ، ويهتم بها ، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم.
[١٨] (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) أي : لا تمله وتعبس بوجهك للناس ، تكبّرا عليهم ، وتعاظما. (وَلا تَمْشِ فِي