الْأَرْضِ مَرَحاً) أي : بطرا ، فخرا بالنعم ، ناسيا المنعم ، معجبا بنفسك. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) في نفسه وهيئته وتعاظمه (فَخُورٍ) بقوله.
[١٩] (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي : امش متواضعا مستكينا ، لا مشي البطر والتكبر ، ولا مشي التماوت. (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أدبا مع الناس ومع الله. (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) أي : أفظعها وأبشعها (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ). فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة ، لما اختص بذلك الحمار ، الذي قد علمت خسته وبلادته. وهذه الوصايا ، الّتي وصى بها لقمان ابنه ، تجمع أمهات الحكم ، وتستلزم ما لم يذكر منها. وكلّ وصية يقرن بها ، ما يدعو إلى فعلها ، إن كانت أمرا ، وإلى تركها ، إن كانت نهيا. وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة ، أنها العلم بالأحكام ، وحكمها ومناسباتها. فأمره بأصل الدين ، وهو التوحيد ، ونهاه عن الشرك ، وبيّن له الموجب لتركه. وأمره ببر الوالدين ، وبين له السبب الموجب لبرهما ، وأمره بشكره وشكرهما ، ثمّ احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما ، ما لم يأمرا بمعصية ، ومع ذلك ، فلا يعقهما ، بل يحسن إليهما ، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة الله ، وخوّفه القدوم عليه. وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر ، إلا أتى بها. ونهاه عن التكبر ، وأمره بالتواضع ، ونهاه عن البطر والأشر ، والمرح ، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات ، ونهاه عن ضد ذلك. وأمره بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإقامة الصلاة وبالصبر اللذين يسهل بهما كلّ أمر ، كما قال تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ). فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا ، أن يكون مخصوصا بالحكمة ، مشهورا بها. ولهذا من منّة الله على عباده ، أن قص عليهم من حكمته ، ما يكون لهم به أسوة حسنة.
[٢٠] يمتن تعالى على عباده بنعمه ، ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها ، وعدم الغفلة عنها فقال : (أَلَمْ تَرَوْا) أي : تشاهدوا وتبصروا بأبصاركم ، وقلوبكم. (أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم ، كلها مسخرات لنفع العباد. (وَما فِي الْأَرْضِ) من الحيوانات والأشجار والزروع ، والأنهار والمعادن ونحوها كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ) أي : عمّكم وغمركم بوافر (نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) الّتي نعلم بها ، والّتي تخفى علينا ، نعم الدنيا ، ونعم الدين ، حصول المنافع ، ودفع المضار ، فوظيفتكم أن تقوموا بشكر هذه النعم ، بمحبة المنعم والخضوع له ، وصرفها في الاستعانة على طاعته ، وأن لا يستعان بشيء منها على معصيته. (وَ) لكن مع توالي هذه النعم ، فإن (مِنَ النَّاسِ مَنْ) لم يشكرها ، بل كفرها ، وكفر بمن أنعم بها ، وجحد الحقّ الذي أنزل به كتبه ، وأرسل به رسله. فجعل (يُجادِلُ فِي اللهِ) أي : يجادل عن الباطل ، ليدحض به الحقّ ، ويدفع به ما جاء به الرسول ، من الأمر بعبادة الله وحده. وهذا المجادل يجادل (بِغَيْرِ عِلْمٍ) وعلى غير بصيرة. فليس جداله عن علم ، فيترك وشأنه ، ويسمح له في الكلام (وَلا هُدىً) يقتدي به بالمهتدين (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي : نيّر مبيّن للحق ، فلا معقول ، ولا منقول ، ولا اقتداء بالمهتدين. وإنّما جداله في الله ، مبني على تقليد آباء غير