نَصِيراً) ينصرهم ، فيدفع عنهم المضار. فليمتثلوا طاعة المنفرد بالأمور كلها ، الذي نفذت مشيئته ، ومضى قدره ، ولم ينفع مع ترك ولايته ونصرته ، وليّ ولا ناصر.
[١٨ ـ ١٩] ثمّ توعّد تعالى المخذلين المعوقين ، وتهددهم فقال : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) عن الخروج ، لمن لم يخرجوا (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ) الّذين خرجوا (هَلُمَّ إِلَيْنا) أي : ارجعوا ، كما تقدم من قولهم : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا). وهم مع تعويقهم وتخذيلهم (لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ) أي : القتال والجهاد ، بأنفسهم (إِلَّا قَلِيلاً) فهم أشد الناس حرصا على التخلف ، لعدم الداعي لذلك ، من الإيمان والصبر. ولوجود المقتضي للجبن ، من النفاق ، وعدم الإيمان. (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) بأبدانهم عن القتال ، وبأموالهم عند النفقة فيه ، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم. (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ) أي : نظر المغشي عليه (مِنَ الْمَوْتِ) من شدة الجبن ، الذي خلع قلوبهم ، والقلق الذي أذهلهم ، وخوفا من إجبارهم على ما يكرهون من القتال. (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ) وصاروا في حال الأمن والطمأنينة. (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) أي : خاطبوكم ، وتكلموا معكم ، بكلام حديد ، ودعاوى غير صحيحة. وحين تسمعهم ، تظنهم أهل الشجاعة والإقدام ، (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) الذي يراد منهم. وهذا شر ما في الإنسان ، أن يكون شحيحا بما أمر به ، شحيحا بماله أن ينفقه في وجهه ، شحيحا في بدنه أن يجاهد أعداء الله ، أو يدعو إلى سبيل الله ، شحيحا بجاهه ، شحيحا بعلمه ، ونصيحته ، ورأيه. (أُولئِكَ) الّذين بتلك الحالة (لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) بسبب عدم إيمانهم ، (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً). وأما المؤمنون ، فقد وقاهم الله ، شح أنفسهم ، ووفقهم لبذل ما أمروا به ، من بذل أبدانهم في القتال في سبيله ، وإعلاء كلمته ، وأموالهم ، للنفقة في طرق الخير ، وجاههم وعلمهم.
[٢٠] (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أي : يظنون أن هؤلاء الأحزاب ، الّذين تحزبوا على حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه ، لم يذهبوا حتى يستأصلوهم ، فخاب ظنهم ، وبطل حسبانهم. (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) مرة أخرى (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) أي : لو أتى الأحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة ، ودّ هؤلاء المنافقون ، أنهم ليسوا في المدينة ، ولا في القرب منها ، وأنهم مع الأعراب في البادية ، يستخبرون عن أخباركم ، ويسألون عن أنبائكم ، ماذا حصل عليكم؟ فتبا لهم ، وبعدا ، فليسوا ممن يغالى بحضورهم (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) فلا تبالوهم ، ولا تأسوا عليهم.
[٢١] (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) حيث حضر الهيجاء بنفسه الكريمة ، وباشر موقف الحرب ، وهو الشريف الكامل ، والبطل الباسل. فكيف تشحون بأنفسكم ، عن أمر جاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بنفسه فيه؟ فتأسّوا به في هذا الأمر وغيره. واستدل الأصوليون في هذه الآية ، على الاحتجاج بأفعال الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأن الأصل ، أن أمته أسوته في الأحكام ، إلا ما دلّ الدليل الشرعي على الاختصاص به. فالأسوة نوعان : أسوة حسنة ، وأسوة سيئة.
فالأسوة الحسنة ، في الرسول صلىاللهعليهوسلم. فإن المتاسّي به ، سالك الطريق الموصل إلى كرامة الله ، وهو الصراط المستقيم.